١ ـ تخيل ان المراد بالموضوع ما جعل موضوعا للمسائل في مرحلة تدوينها وتأليفها في البحوث والمصنفات ، مع أن المقصود بالموضوع ما يكون محورا لبحوث العلم بحسب المناسبات الواقعية التي تطلبها طبيعة تلك البحوث ومقتضياتها ، وأقوى دليل على إرادة هذا المعنى من موضوع العلم ما تقدم نقله عن الفلسفة العالية التي تمثل العلم الحقيقي لدى من أخذت منهم قاعدة ان لكل علم موضوعا يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ، فانهم اتفقوا على ان موضوعها هو الوجود أو الموجود مع انهم يصوغون موضوعات مسائلها في مرحلة التدوين بشكل آخر كما عرفت.
٢ ـ تفسير القوم للعرض الذاتي بما يعرض للشيء أو يحمل عليه بعد الفراغ عن ثبوته ، مما أدي إلى صعوبة تطبيق القاعدة على بحوث كثير من العلوم وسوف يأتي توضيح الخطأ الواقع في هذه النقطة قريبا.
وبعد تصحيح هاتين النقطتين صح أن يقال : ان لكل علم موضوعا يوجد بحوثه في محور واحد بنحو يتميز به عن العلوم الأخرى وهذه الوحدة ثابتة ارتكازا ووجدانا لكل علم في مرتبة أسبق من مرتبة تدوينه التي هي مرتبة لاحقة ومتأثرة بعوامل ثانوية خارجة عن مناسبات طبيعة العلم في نفس الأمر والواقع ، فلا غرو أن نجد اختلافا في بعض الأحيان بين ما يكون موضوعا لبحوث علم واقعا وما يجعل موضوعا لمسائله في مرحلة التدوين والعرض. فبحوث علم النحو مثلا موضوعها الكلمة العربية وهي كذلك بحسب مرحلة تدوين المسائل النحوية أيضا ، ولكن بحوث الفلسفة العالية أو علم الفقه مثلا موضوعها الوجود والحكم الشرعي مع أنهما يحتلان مركز المحمول في المسائل الفلسفية والفقهية بحسب التدوين ، وبحوث علم الصحة مثلا تدور حول موضوع واحد هو صحة البدن مع انه بمثابة الغرض المترتب على مسائل علم الصحة بحسب مرحلة تدوينها حيث يبحث فيها عن الأسباب والعلل المؤثرة في صحة الأبدان طردا وعكسا. فالتطابق بين ما هو موضوع للمسائل بحسب التدوين وما هو موضوع للعلم ومحور لبحوثه غير لازم.
ومنه يظهر حال النزاع الّذي أثاره صاحب الكفاية ( قده ) من أن تمايز العلوم هل يكون بتمايز موضوعاتها أن باختلاف الأغراض المترتبة عليها؟ فانه لو أريد بالموضوع أو