ومن أجل ذلك دخلت في علم الأصول أبحاث من قبيل دلالة صيغة الأمر والنهي على الوجوب والحرمة ، ودلالة أداة الشرط على المفهوم ؛ وهذا ما يدخل في القسم الأول. وأبحاث من قبيل تحليل المعاني الحرفية ومداليل الهيئات في الجمل الناقصة والتامّة والخبريّة والإنشائيّة ، وهذا ما يدخل في القسم الثاني.
ولما لم يكن علم الأصول علماً لغويّاً أو فلسفيّاً بطبيعته ، بل هو علم العناصر المشتركة في عملية الاستنباط ، كان حريّاً به أن لا يتناول بصورة أساسية من تلك الأبحاث إلا ما يشكّل عنصراً مشتركاً في عملية الاستنباط على نحو ينطبق عليه الميزان المتقدّم للمسألة الأصولية. وهذا ما كان بالنسبة إلى ما يندرج من البحوث الأصولية في القسم الأول وما يندرج منها في القسم الثاني.
امَّا بالنسبة إلى القسم الأول ، فقد ميّز الأصوليّون بين الدلالة اللغوية الصالحة لأن تكون عنصراً مشتركاً في عملية الاستنباط فبحثوها في علم الأصول ، كدلالة الأمر على الوجوب ، وأداة الشرط على المفهوم ، وهيئة اسم الفاعل على الأعم ، بالرغم من أنَّ بعضهم ذكر بعض هذه الأبحاث في المقدّمات والمبادئ ، لأنَّ عدم الرؤية الفنيّة الواضحة لميزان المسألة الأصولية كان يوجب باستمرار التشويش في الجانب التصنيفي والتنسيقي للمسائل ، بينما الشعور الأصولي الفطري كان هو الموجّه الأساسي لذكر ما ينبغي أن يذكر.
وتركت ـ على هذا الأساس ـ أبحاث لغويّة لم تف اللغة بحقّها على الرغم من دخلها في الاستنباط أحياناً ، وذلك لعدم كونها عنصراً مشتركاً في عملية الاستنباط ، فتحمل مسئوليتها الفقه في الموارد التي يكون لها دخل في استنباط الحكم فيها ، كتفسير كلمة ( الصعيد ) أو ( الكعب ) أو ( الريبة ) ونحو ذلك.
وأمَّا بالنسبة إلى القسم الثاني ، فنجد أن المصبّ الرئيسي للبحث أصولياً متّجه إلى تمييز المعاني الاستقلالية عن المعاني الربطية والآلية ، وتوضيح خصائص كلّ منهما بما في ذلك قابلية المعنى الاستقلالي للحاظ والتوجّه المؤدّي إلى صلاحيته للإطلاق والتقييد وعدم قابلية المعنى الربطي والآلي لذلك المؤدّي إلى عدم صلاحيته للإطلاق والتقييد. وقد أدّت المسالك المختلفة تجاه المعنى الحرفي وآليته وربطيته إلى مواقف مختلفة