إن قيل ـ هب أنَّكم استطعتم بهذه العنايات تصوير جامع تركيبي تشترك فيه جميع أفراد الصحيحة ، ولكن العرف لا يساعد على افتراض مثل هذا الجامع المعقّد الهوية مدلولاً للألفاظ التي معانيها أبسط من ذلك في نظره خصوصاً إذا أدخلنا في الحساب القيود اللبيّة من عدم النهي والمزاحم التي لا تنحصر تحت ضابط وحد.
قلنا ـ نمنع أن تكون أسامي لبعض العبادات أبسط من ذلك عرفاً بناء على القول بالوضع للصحيح ـ خصوصاً مثل الصلاة التي فيها نحتاج إلى مثل هذا الجامع التركيبيّ المعقّد ، فانَّ العرف يدرك أيضا أن للصلاة آداب وتفاصيل كثيرة ولا ضرورة في افتراض أن العرف يستحضر بصورة تفصيلية كافة شرائطها وتفاصيلها بل يدرك إجمالاً أن المسمَّى له خصوصيات معيّنة يرجع فيها إلى الشارع المخترع لها ، نظير أسامي كثير من المعاجين والمركّبات التي قد لا يعرف العرف أجزائها تفصيلاً.
الثاني : ما حاوله المحقق الخراسانيّ ( قده ) في تصوير الجامع على الصحيح. ويتألّف من نقطتين :
١ ـ أن المأثور في النصوص الدينية ترتب أثر مشترك على الأفراد الصحيحة خاصة ، وهو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر ـ ولو اقتضاء ـ.
٢ ـ أنَّ وحدة الأثر سنخاً تكشف عن وحدة المؤثر سنخاً لا محالة. والنتيجة المتحصلة منهما وجود جامع واحد بين الأفراد الصحيحة خاصة يكون هو العلة في إيجاد الأثر المشترك. والظاهر انَّ مقصوده إثبات جامع بسيط ذاتي بين الأفراد الصحيحة بقرينة اعتماده على المقدّمة الثانية (١).
وقد اعترض على هذا الوجه في كلمات جملة من الأعلام من وجوه :
أولها : أن مجال تطبيق القانون الفلسفي المتقدّم هو لوازم الوجود الواحد أو الحقيقة الواحدة ، فلا مأخذ لتطبيقه على الأمور الاعتبارية أو الانتزاعية كعنوان النهي عن الفحشاء والمنكر الّذي هو نظير عنوان الطويل ينتزع عن حقائق مختلفة ، لأنَّ نسبة هذه الأعراض إلى موضوعاتها نسبة العرض إلى منشأ انتزاعه لا نسبة اللازم إلى علّته. فهذا
__________________
(١) راجع كفاية الأصول ج ١ ص ٣٦ ( ط ـ مشكيني )