الألفاظ على المعاني الشرعية بمقتضي أصالة الحقيقة ، فلا بدّ في المرتبة السابقة من إثبات كون المعنى الشرعي حقيقيا للفظ الصلاة مثلا اما بوضع الشارع أو بوضع سابق عليه ، والثاني لا سبيل إليه إلا من ناحية ما يتوهم من دلالة هذه الآيات ، والأول يثبت المطلوب.
وقد يدعى في مقابل ذلك : ظهور آية « كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم » (١) بحد ذاتها في اتحاد سنخ الصوم وكون المراد به معناه الشرعي وإلا لزم الاستخدام في ضمير ( كما كتب ). وفيه : ان من الممكن حمله على معناه اللغوي وهو طبيعي الإمساك الجامع بين الصوم الناسخ والصوم المنسوخ فلا يلزم الاستخدام ولا يكون دليلا على سبق المركب الاعتباري المسمى بالصوم عندنا وكونه ثابتا في الشرائع السابقة. وعليه فلم دليل على قدم المعاني الشرعية.
ولكن الصحيح ان مجرد التشكيك في ذلك ولو بلحاظ الآيات المذكورة يكفي للتوقف في إثبات الوضع التعييني بالسيرة العقلائية ، بل يمكن التمسك ببعض تلك الآيات إذا ثبت نزولها في وقت متأخر من حياة النبي ٦ في الظرف الّذي يطمأن فيه بأن اللفظ كان ينصرف فيه عند إطلاقه إلى المعنى الشرعي للأنس الذهني العام.
وبما ذكرناه اتضح : ان الّذي يترتب على قدم المعاني الشرعية التوقف عن إثبات الوضع التعييني لاحتمال الاستعمال فيها مجازا بعد أن لم يكن الشارع هو المخترع لا أنه يترتب على ذلك كون الألفاظ الخاصة حقائق لغوية فيها قبل الشرع ، إذ قدم المعنى لا يستلزم كونه مسمى في السابق بنفس هذا اللفظ الّذي استعمال فيه في الإسلام ليلزم كونه حقيقة لغوية فيه كما أفاده صاحب الكفاية ١ وقد نبه على إنكار هذا الاستلزام المحقق الأصفهاني ١ والسيد الأستاذ ( دام ظله ) وأضاف الأخير : بأنه لو سلم الاستلزام المطلوب لم يضر بالمقصود إذ لم يتعلق غرض الأصولي بخصوص الوضع الصادر من النبي ٦ بل بكون اللفظ حقيقة في المعنى الشرعي ليحمل عليه بلا توقف على قرينة ، وهذا يحصل مع ثبوت الحقيقة اللغوية أيضا (٢) إلا أن
__________________
(١) سورة البقرة آية ٣٨١
(٢) راجع محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ١٤٠