والتحقيق : أن تخريج إرادة معنيين من المثنى كذلك لا يمكن تصوره إذا فرض ان المثنى دال على مفاده بنحو تعدد الدال والمدلول مادة وهيئة بمعنى ان المادة تدل على الطبيعة التي وضع لها اللفظ وهيئة المثنى تدل على المتعدد منه ، فانه على هذا إن كانت المادة مستعملة في معنى واحد فلا يعقل استفادة المعنى الآخر من التثنية بعد فرض ان مدلولها ليس إلا تكثير مدلول المادة ، وإن كانت المادة مستعملة في معنيين لزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى وكان هذا التكثير مستفادا من نفس المادة ، فكان لا بد لإعمال التثنية من أن يراد المتكرر من كل من المعنيين وبذلك يلزم استعمال اللفظ ، في أكثر من معنى على مستوى المادة ومستوى الهيئة معا. وقد يتوهم : ان محذور استعمال اللفظ في أكثر من معنى في هذا الفرض انما يلزم في المادة لا في الهيئة لأن الهيئة لم تستعمل إلا في معناها وهو إفادة المتعدد من مدخولها ، غاية الأمر ان مدخولها أصبح ذا معنيين ، فهو من قبيل تثنية ما يكون متعددا بنفسه كالعشرة ، فان دلالة عشرتين على عشرين ليس من استعمال هيئة المثنى في أكثر من معنى (١). والجواب على هذا التوهم : أن هيئة المثنى موضوعة لإفادة المتعدد من مدلول المادة المدخولة لها وفي الحالة المذكورة إن استعملت المادة في مجموع المعنيين على نحو كان المجموع مدلولا واحدا لها لم يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى على مستوى المادة أصلا وهو خلف المفروض ، وإن استعملت المادة في كل من المعنيين على استقلاله فهذا يعني ان لفظ المادة له مدلولان مستقلان ، والهيئة موضوعة بنحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ لإفادة المتعدد من مدلول المادة ، وحيث ان للمادة مدلولين فلا محالة يكون للهيئة مدلولان : أحدهما المتعدد من هذا المدلول ، والآخر المتعدد من ذلك المدلول ، وأين هذا من تثنية العشرة التي لم تستعمل مادتها إلا في مدلول واحد.
وهذا واضح ، غير ان الكلام يقع في الأصل الموضوعي له وهو ان تكون إفادة المثنى لمعناه على نحو تعدد الدال والمدلول. إذ قد يقال : بأن هذا لا يتم في بعض موارد المثنى الخاصة ـ كما في تثنية الأعلام الشخصية ـ إذ ليس المعنى الموضوع له لفظ المادة كليا
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ٢٢٣