الثالث : تقييد نفس العلقة الوضعيّة ، على نحو تكون العلقة الوضعيّة منوطة ومشروطة بتحقق أمر معين ففي حالة عدم وجوده لا ثبوت للعلقة.
ولا إشكال في تعقل النحوين الأول والثاني من أنحاء التقييد.
وأما النحو الثالث ، فيظهر من المحقق الأصفهاني ( قده ) في توجيه مختار صاحب الكفاية ( قده ) في المعنى الحرفي إمكانه أيضا ، بأن يفترض ان الواضع يقيد العلقة الوضعيّة ويشرطها بشرط معين ففي حالة عدم وجوده لا ثبوت للعلقة الوضعيّة ، بل يكون اللفظ مهملا في تلك الحال.
والتحقيق : أنه بناء على مسلك التعهد في تفسير حقيقة الوضع يعقل تقييد العلقة الوضعيّة وإناطتها بتحقق أمر معين ، لأن العلقة الوضعيّة ـ بناء على هذا المسلك ـ عبارة عن ملازمة تصديقية بين الإتيان باللفظ وقصد تفهيم المعنى ناشئة على أساس التعهد والالتزام العقلائي الّذي قطعه الواضع على نفسه ، فمن المعقول أن ينيط الواضع تعهده والتزامه بحالة دون أخرى فهو يتعهد مثلا بأنه في النهار فقط كلما جاء باللفظ الفلاني يكون قاصدا لمعناه فتثبت العلقة الوضعيّة التعهدية في تلك الحالة فقط. وكذلك الحال بناء على مسلك الاعتبار فيما إذا أريد به قياس الوضع بسائر المجعولات العقلائية الاعتبارية.
وأما على المسلك الصحيح الّذي يرى أن العلقة الوضعيّة أمر واقعي تكويني وهو الملازمة التصورية بين اللفظ والمعنى الناتجة عن الاقتران بينهما خارجا ، وأن الاعتبار أو الجعل إذا مارسه الواضع فهو مجرد حيثية تعليلية لتحقيق ذلك الاقتران بين اللفظ والمعنى ، فتقييد العلقة الوضعيّة غير معقول ، لأن هذه العلقة الناشئة من الوضع معلول تكويني للوضع وليس مجعولا تشريعيا كالوجوب والحرمة أو الملكية والزوجية ، فلا يعقل للواضع بعد إيجاده لهذه العلقة والملازمة التصورية أن يقيدها بقيد جعلي. وبتعبير آخر : ان العلقة الوضعيّة ليست مجعولا اعتباريا أو منوطة بالمجعول الاعتباري لتكون قابلة للتوسعة والتضييق كما هو الحال في سائر المجعولات الاعتبارية ، وإنما هي علاقة واقعية بسبب القرن المنوط بنفس الجعل لا المجعول وهذا أمر غير قابل للتقييد كما هو واضح. وسيأتي لذلك مزيد تأكيد وتوضيح في بحث تبعية الدلالة للإرادة فلاحظ.