الوضع يحصل بمجرد إرادة الواضع تخصيص لفظ المعنى وإن لم يخصصه بالفعل.
ثم انه قد يعترض على تصوير إيجاد الوضع بالاستعمال بوجوه :
الأول : لزوم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي اما في جانب اللفظ بدعوى : انه ملحوظ في مقام الوضع استقلالا وفي مقام الاستعمال آليا فلو اتحد المقامان لزم اجتماع اللحاظين ، أو في جانب الحكاية حيث أن الحكاية في مقام الاستعمال آلية وفي مقام الوضع استقلالية. والسر في الأمرين ان باب الاستعمال هو باب فعلية الحكاية ومقتضى فعليتها فناء الحاكي وحكايته في المحكي وإلا لم يكن حاكيا بل منظورا إليه في عرضه ، بخلاف باب الوضع فانه ليس فعلية الحكاية بل جعل اللفظ صالحا للحكاية أي جعله بحيث يحكي عنه في مقام الاستعمال.
والتحقيق : ان ما اعترض عليه بالوجه المذكور إن كان هو دعوى مصداقية الاستعمال والتعيين الاستعمالي للوضع والتعيين الوضعي ، وكأن المقصود بالاعتراض منع هذه المصداقية لأجل تقوم أحدهما باللحاظ الآلي والآخر باللحاظ الاستقلالي ، فهو متين بناء لا مبنى ولا يندفع بما في تقريرات المحقق العراقي ( قده ) : من أن الملحوظ استقلالا طبيعي اللفظ والملحوظ آليا شخص هذا اللفظ (١) فان المدعى ان التعيين الاستعمالي لشخص هذا اللفظ لا يمكن أن يكون مصداقا للوضع لأجل تقومه باللحاظ الآلي ، وكون طبيعي اللفظ ملحوظا استقلالا لا يصحح ذلك. وإن أريد بهذا الاعتراض إبطال الدعوى المذكورة بعد تسليم ان الاستعمال المذكور في نفسه مصداق للوضع ، فهو مما لا معنى له ، إذ بعد تسليم كون هذا وضعا لا معنى لدعوى تقوم الوضع باللحاظ الاستقلالي.
وإن أريد بالاعتراض المذكور إبطال دعوى أخرى ، وهي دعوى ان هذا الاستعمال مما يتسبب به إلى الوضع لا انه بنفسه مصداق للوضع ، فيتم الجواب عنه بأن الملحوظ الاستقلالي في مرحلة التسبب غير الملحوظ الآلي إذ الملحوظ الآلي هو شخص اللفظ وواقع حكايته المفنية له في المعنى وما يتسبب إليه بذلك الّذي يكون
__________________
(١) راجع مقالات الأصول ج ١ ص ١٧