الانفعال والتأثّر ـ في شيء واحد بما هو واحد. وأمّا القبول ـ بمعنى الاتّصاف كاتّصاف الماهيّات بلوازمها ـ فليس أثرا صادرا عن الذات يسبقه إمكان.

والحجّتان مع ذلك لا تخلوان من مناقشة.

أمّا الاولى ، فلأنّ جعل القبول أثرا صادرا عن القابل يوجب كون القابل علّة فاعليّة للقبول (١) ، فيرد الإشكال في قبول القابل البسيط للصورة حيث إنّه يفعل القبول ويصير جزءا من المركّب ، وهما أثران لا يصدران عن الواحد.

وأمّا الثانية ، فلأنّ نسبة العلّة الفاعليّة ـ بما أنّها إحدى العلل الأربع ـ إلى الفعل ليست نسبة الوجوب ، إذ مجرّد وجود العلّة الفاعليّة لا يستوجب وجود المعلول ما لم ينضمّ إليها سائر العلل. اللهمّ إلّا أن يكون الفاعل علّة تامّة وحده (٢). ومجرّد فرض الفاعل تامّ الفاعليّة ـ والمراد به كونه فاعلا بالفعل بانضمام بقيّة العلل إليه ـ لا يوجب تغيّر نسبته في نفسه إلى الفعل من الإمكان إلى الوجوب (٣).

واحتجّ المتأخّرون (٤) على جواز كون الشيء الواحد من حيث هو واحد فاعلا وقابلا بلوازم الماهيّات ، سيّما البسائط منها ، فما منها إلّا وله لازم أو لوازم ، كالإمكان وكونه ماهيّة ومفهوما ، وكذا المفاهيم المنتزعة من ذات الواجب تعالى ،

__________________

(١) لا علّة مادّيّة له ولا علّة صوريّة له ، لأنّ القبول ليس جسما مركّبا من المادّة والصورة كي يكون القابل علّة مادّيّة أو صوريّة له.

(٢) لا يخفى أنّه بناء على حصر الفاعل المؤثّر في العلّة التامّة الّتي لا مصداق لها إلّا الواجب تعالى كانت نسبة العلّة الفاعليّة ـ من حيث إنّها علّة فاعليّة ـ إلى الفعل نسبة الوجوب ، ضرورة أنّه لا يصدق على الشيء أنّه علّة فاعليّة إلّا إذا يفعل الفعل ، فلا ينفكّ الفعل عنه من حيث إنّه علّة فاعليّة ، فكانت نسبته إلى الفعل نسبة الوجوب ، وأمّا الشيء من حيث إنّه نفسه وقبل أن يصدر عنه الفعل فنسبته إلى الفعل نسبة الإمكان ، ولكنه خارج عن محلّ البحث.

(٣) وأورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمه‌الله فقال : «هذا الكلام منه لا يوافق ما مرّ منه في الفصل الثاني من المرحلة الرابعة من أنّ الإمكان بالقياس لا يتحقّق بين موجودين مطلقا». تعليقة على نهاية الحكمة : ٢٥٧.

(٤) هكذا احتجّ عليه الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٥١٦.

۳۳۶۱