الفصل السابع عشر

في العناية الإلهيّة بخلقه وأنّ النظام الكوني

في غاية ما يمكن من الحسن والإتقان

الفاعل العلميّ ـ الّذي لعلمه دخل في تمام علّيّته الموجبة ـ إذا كان ناقصا في نفسه مستكملا بفعله فهو بحيث كلّما قويت الحاجة إلى الكمال الّذي يتوخّاه (١) بفعله زاد اهتمامه بالفعل وأمعن في إتيان الفعل بحيث يتضمّن جميع الخصوصيّات الممكنة اللحاظ في إتقان صنعه واستقصاء منافعه ، بخلاف ما لو كان الكمال المطلوب بالفعل حقيرا غير ضروريّ عند الفاعل جائز الإهمال في منافعه ، وهذا المعنى هو المسمّى ب «العناية».

والواجب تعالى غنيّ الذات ، له كلّ كمال في الوجود ، فلا يستكمل بشيء من فعله ، وكلّ موجود فعله ، ولا غاية له في أفعاله خارجة من ذاته ، لكن لمّا كان له علم ذاتيّ بكلّ شيء ممكن يستقرّ فيه (٢) ، وعلمه الّذي هو عين ذاته علّة لما سواه ، فيقع فعله على ما علم من غير إهمال في شيء ممّا علم من خصوصيّاته ، والكلّ معلوم ، فله تعالى عناية بخلقه.

والمشهود من النظام العامّ الجاري في الخلق والنظام الخاصّ الجاري في كلّ

__________________

(١) أي : يتطلّبه دون سواه.

(٢) أي : في الخارج.

۳۳۶۱