وترتّب الآثار الّتي منها كون الوجود لنفسه أو لغيره ـ فلا الجوهر الذهنيّ من حيث هو ذهنيّ جوهر بالحمل الشائع موجود لنفسه ، ولا العرض الذهنيّ من حيث هو ذهنيّ عرض بالحمل الشائع موجود لغيره. وبالجملة : لا معنى لاتحاد العاقل وهو موجود خارجيّ مترتّب عليه الآثار بالمعقول الذهنيّ الّذي هو مفهوم ذهنيّ لا تترتّب عليه الآثار (١).

وأمّا العلم الحضوريّ فلا يخلو إمّا أن يكون المعلوم فيه نفس العالم كعلمنا بنفسنا أم لا. وعلى الثاني إمّا أن يكون المعلوم علّة للعالم أو معلولا للعالم أو هما معلولان لأمر ثالث. أمّا علم الشيء بنفسه فالمعلوم فيه عين العالم ولا كثرة هناك حتّى يصدق الاتّحاد ، وهو ظاهر. وأمّا علم العلّة بمعلولها أو علم المعلول بعلّته فلا ريب في وجوب المغايرة بين العلّة والمعلول ، وإلّا لزم تقدّم الشيء على نفسه بالوجود وتأخّره عن نفسه بالوجود ، وهو ضروريّ الاستحالة. وأمّا علم أحد معلولي علّة ثالثة بالآخر فوجوب المغايرة بينهما في الشخصيّة يأبى الاتّحاد.

على أنّ لازم الاتّحاد كون جميع المجرّدات ـ وكلّ واحد منها عاقلا للجميع ومعقولا للجميع (٢) ـ شخصا واحدا (٣).

قلنا : أمّا ما استشكل به في العلم الحصوليّ ، فيدفعه ما تقدّم (٤) أنّ كلّ علم حصوليّ ينتهي إلى علم حضوريّ ، إذ المعلوم الّذي يحضر للعالم حينئذ موجود مجرّد بوجوده الخارجيّ الّذي هو لنفسه أو لغيره.

__________________

(١) أي : الآثار الخارجيّة.

وحاصل الإشكال : أنّ البرهان المذكور إنّما يجري على القول بأنّ وجود العلم وجود لغيره ، وهو ممنوع ، لأنّ الوجود لغيره قسم من الوجود الخارجيّ الّذي وجوده في نفسه ، كالأعراض الخارجيّة الّتي يحمل عليها العرض بالحمل الشايع. وأمّا العرض الذهنيّ ـ كالعلم ـ فليس مندرجا تحت مقولة ، فلا يكون موجودا في نفسه حتّى يكون موجودا لنفسه أو لغيره ، فلا معنى لاتّحاد العالم بالمعلوم.

(٢) أي : كون كلّ واحد منها عاقلا للجميع ومعقولا للجميع.

(٣) خبر لقوله : «كون».

(٤) في الفصل السابق.

۳۳۶۱