الفعل عن الأمر لا يلازم العبادية والتقرب كما عرفت.

الوجه الثالث : الآية الشريفة : ﴿ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (١). وتقريب الاستدلال بها على المدعى : حصر الأوامر في الآية الكريمة في العبادية ، وحصر جهة الأمر والغاية منه في العبادة ، فيقتضي ان يكون الأصل هو العبادية ، إلا إذا قام دليل خاص على عدمه فيخصص الآية الشريفة.

ولكن الاستدلال بها غير مستقيم لوجهين :

الأول : ما قيل من ان الآية بملاحظة صدر السورة وذيلها واردة في الكفار وتفنيد ما زادوا في دينهم على عبادة الله ، وبيان انهم لم يأمروا بغير عبادة الله وترك الأوثان ، وان ما يدعونه من الدّين لم يأمرهم به الله. وبذلك تكون الآية بعيدة وأجنبية عن إثبات تعبدية الأوامر وكونها عبادية كما لا يخفى.

الثاني : انه لو سلم عدم اختصاص الآية بالكفار وعمومها لجميع المكلفين ، فهي لا تدل على حصر الأوامر بالعبادية ، بل انما تدل على حصر الأوامر العبادية بعبادة الله ، بمعنى ان الأوامر العبادية انما كانت ليعبدوا الله تعالى لا ان نفس الأوامر كانت لأجل تحقق العبادة منهم ، فهي لا تتكفل بيان عبادية الأوامر ، بل بيان جهة عبادة الله في الأوامر العبادية وهذا المعنى أجنبي عن المدعى.

وتوضيح ما ذكرناه : انه إذا قال القائل : « ما أمرت زيدا إلا لأجل تحصيل العافية التامة أو لأجل الذهاب إلى الطبيب الحاذق » ، فانه ظاهر في حصر الأوامر بالذهاب إلى الطبيب أو بتحصيل العافية في الأمر بالذهاب إلى الطبيب الحاذق دون غيره ، وبتحصيل العافية التامة لا الناقصة ، نعم لو قال : « ما أمرته إلا لأجل الذهاب إلى الطبيب » ، كان ظاهرا في حصر الأوامر في الذهاب إلى

__________________

(١) سورة البينة : الآية : ٥.

۵۲۸۱