وأما الاستفهام : فكونه من المعاني الإنشائية الحاصلة بالاستعمال مما لا إشكال فيه ، لوضوح عدم صدقه قبل الكلام الاستفهامي ، فانه لا يقال للشخص انه استفهم الا بعد الكلام وإنشائه المعنى. وأما حروف الاستفهام ، فهي موضوعة للنسبة الحاصلة بين المتكلم وبين المعنى المقصود فهمه فانها تحصل بمجرد كونه في مقام طلب الفهم.
ولا يخفى أن المخاطب عند إلقاء الكلام المشتمل على حرف النداء أو الاستفهام أو التمني ونحوها لا يوجد في ذهنه نسبة مماثلة للنسبة الحاصلة في ذهن المتكلم كسائر الحروف ، لفرض تقوم النسبة المزبورة بالمتكلم لأنه أحد طرفيها دون النسب بين المفاهيم التي هي مدلول الحروف الأخرى ، كما انه لا تحصل في ذهنه نفس تلك النسبة لامتناع تعلق اللحاظ بنفس الموجود بما هو موجود ، وانما تحصل في ذهنه صورة تلك النسبة فيرتب عليه الأثر لو كان له أثر.
ومن جميع ما ذكرنا يتحصل ان الحروف بأسرها موضوعة لأنحاء النسب والربط ، وبذلك كانت معانيها متقومة بالآلية والإيجادية كما تقدم تفصيله.
يبقى الكلام في الأسماء الملحقة بالحروف ، كأسماء الإشارة وضميري المخاطب والغائب ، وتعيين الموضوع له فيها وبيان عمومه أو خصوصه.
وقد التزم المحقق الخراسانيّ رحمهالله بان الموضوع له فيها عام كالحروف لا خاص ، بدعوى : ان الموضوع له فيها انما هو المعنى الكلي الّذي تتعلق به الإشارة والتخاطب ، وتشخصه الحاصل عند الإشارة انما ينشأ من طور الاستعمال ، ونفس الإشارة أو التخاطب لاستدعاء كل منهما الشخص ليس مأخوذا في الموضوع له. فالموضوع له لفظ : « هذا » انما هو المفرد المذكر ، والمستعمل فيه هو ذلك أيضا ، وهو وإن تشخص بالاستعمال ، إلاّ انه لأجل كونه من شئون الاستعمال حيث كان بالإشارة وهي لا تكون الا إلى الشخص ، لا المستعمل فيه.