الثاني : ان لازم هذا الاختيار ان لا يكون للجملة الإنشائية مدلول تام جملي في عالم المفهومية والتصور ، بل لا يكون هناك الا مفهوم المادة الأفرادي. بيان ذلك : ان الصيغة إذا كانت موضوعة لواقع الصفة النفسانيّة ، وهي ـ مثلا ـ الاعتبار القائم بالنفس ، كان وجود الصيغة كاشفا عن ذلك الواقع وموجبا للعلم به بلا خطوره في الذهن ، لفرض كونه موجودا وهو لا يقبل التحقق في الذهن. وعليه فليس في الجملة الإنشائية ما يتعلق به التصور والانتقال سوى مفهوم المادة وهو ما تعلق به الاعتبار. مثلا قول الآمر « صل » يكشف بهيئته عن اعتبار الصلاة في عهدة المكلف ويوجب العلم به ، والمادة توجب الانتقال إلى مفهوم الصلاة وتصوره.
وإذا لم يكن للجملة الإنشائية مفهوم جملي تام ، بل ليس لها إلاّ مفهوم افرادي ، خرج بابها عن باب استعمال الألفاظ الموجب لخطور المعنى في الذهن والانتقال إليه ، إذ يكون حال الهيئة حال الكاشف التكويني عن الصفة ، فلو فرض وجود الكاشف تكوينا عن الصفة غير الهيئة اللفظية وأتى به مع لفظ : « صلاة » لم يكن ذلك من باب الاستعمال أصلا ، بل المستعمل ليس إلاّ لفظ الصلاة في مفهومه. ومثله لو فرض وجود الكاشف الجعلي غير اللفظ بان يتعهد الشخص بأنه متى ما اعتبر شيئا رفع يده وذكر اسم ذلك الشيء ، فان رفع اليد وذكر اسم ذلك الشيء لا يكون من باب الاستعمال في الصفة النفسانيّة ، بل هو أجنبي عنه بالمرة ، فالحال كذلك في الجملة الإنشائية فانها تكون ـ على هذا القول ـ خارجة عن باب الاستعمال وأن المستعمل فيه ليس إلاّ مفهوم المادة كالصلاة ونحوها. فلاحظ جيدا وتدبر.
فالتحقيق : ان الموضوع له الجملة والهيئة التركيبية خبرية كانت أو إنشائية هو نفس النسبة بين الموضوع والمحمول التي يصح التعبير عنها في الجمل الاسمية بلفظ الاتحاد ، فيقال في « زيد قائم » : « زيد وقائم متحدان » ، وهذه النسبة