ثانيها : باب «نعم وبئس» ، نحو : «غسلته غسلاً نعمّا» و «دققتُه دقّاً نعمّا» أي : نعم شيئاً ، فـ «ما» نصبٌ على التمييز عند جماعة من المتأخرين منهم الزمخشري ، وظاهر كلام سيبويه أنها معرفة تامة كما مرّ.

ثالثها : قولهم إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل كالكتابة : «إنّ زيداً ممّا أن يكتبَ» أي : إنه من أمر كتابة ، أي إنه مخلوق من أمر وذلك الأمر هو الكتابة فـ «ما» بمعنى «شيء» و «أنْ» وصلتها في موضع خفض بدلاً منها ، والمعنى بمنزلته في ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَل (الأنبياء/٣٧) جعل؛ لكثرة عجلته كأنه خلق منها ، وزعم السيرافي وابن خروف وتبعهما ابن مالك ونقله عن سيبويه أنها معرفة تامة بمعنى الشيء أو الأمر ، و «أنْ» وصلتها مبتدأ ، والظرف خبره ، والجملة خبر لـ «إنّ» ولا يتحصل للكلام معنى طائل على هذا التقدير.

الثالث : أن تكون نكرة مضمنة معنى الحرف ، وهي نوعان :

أحدهما : الاستفهامية ، ومعناها : أيّ شيء ، نحو قوله تعالى : ﴿ما لَوْنُها (البقرة/٦٩) وقول حسّان في رثاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

٢٥٥ ـ ما بال عيني لا تنام؟ كأنّما

كُحِلَتْ مَآقيها بكُحل الأرمَد (١)

ويجب حذف ألف «ما» هذه إذا جُرّتْ وإبقاء الفتحة دليلاً عليها ، كقول الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام خطاباً لأبيه : «مم حمدتَ واسترجَعتَ» (٢) وقول

__________________

١ ـ ديوان حسان بن ثابت : ٢٠٨.

٢ ـ قاله في طريق كربلاء حين رأى أن أبيه عليه‌السلام يسترجع فأجات الحسين عليه‌السلام : «يا بني إنّي خفقت (براسي) خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسير معهم ، فعلمتُ أنّ أنفسنا نُعيت إلينا». الكامل في التاريخ : ٤/٥١.

۲۹۱۱