إن قلت (١) : يكفي في الردع الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتّباع غير العلم (٢). وناهيك قوله تعالى : ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (٣) ، وقوله تعالى : ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ (٤).
قلت : لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك ، فإنّه ـ مضافا إلى أنّها إنّما وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظنّ في اصول الدين ، ولو سلّم (٥) فإنّما المتيقّن ، لو لا أنّه المنصرف إليه إطلاقها ـ هو خصوص الظنّ الّذي لم يقم على اعتباره حجّة ـ لا يكاد يكون الردع بها إلّا على وجه دائر ، وذلك لأنّ الردع بها يتوقّف على عدم تخصيص عمومها أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة ، وهو (٦) يتوقّف على الردع عنها بها (٧) ، وإلّا لكانت مخصّصة أو مقيّدة لها ، كما لا يخفى.
لا يقال : على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا إلّا على وجه دائر ، فإنّ اعتباره بها (٨) فعلا يتوقّف على عدم الردع بها عنها (٩) ، وهو يتوقّف على تخصيصها بها (١٠) ، وهو يتوقّف على عدم الردع بها عنها (١١).
فإنّه يقال : إنّما يكفي في حجّيّته بها عدم ثبوت الردع عنها لعدم نهوض ما يصلح لردعها ، كما يكفي في تخصيصها لها ذلك كما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ ما جرت عليه السيرة المستمرّة في مقام الإطاعة والمعصية ، وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة ،
__________________
(١) وهذا الإشكال تعرّض له الشيخ الأعظم ، ثمّ أجاب عنه. فرائد الاصول ١ : ٣٤٦.
(٢) تقدّم بعضها في الصحفة : ٣١٢ من هذا الجزء.
(٣) الاسراء / ٣٦.
(٤) يونس / ٣٦.
(٥) أي : لو سلّم أنّ الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتّباع غير العلم ليست مختصّة باصول الدين ، بل تشمل ما نحن فيه ...
(٦) أي : عدم تخصيص الآيات بالسيرة.
(٧) أي : عن السيرة بالآيات.
(٨) أي : اعتبار خبر الثقة بالسيرة.
(٩) أي : بالآيات عن السيرة.
(١٠) أي : عدم الردع يتوقّف على تخصيص الآيات بالسيرة.
(١١) أي : تخصيص الآيات بالسيرة يتوقّف على عدم الردع بالآيات عن السيرة.