مسألة
من أحكام الخيار عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار تصرّفاً يمنع من استرداد العين عند الفسخ على قول الشيخ والمحكيّ عن ابن سعيد في جامع الشرائع وظاهر جماعةٍ من الأصحاب، منهم: العلاّمة في القواعد والمحقّق والشهيد الثانيان قدّس الله أسرارهم في ظاهر كلماتهم، بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حقّ الرجوع في الهبة إلى الورثة ـ : أنّ حقّ الخيار يمنع المشتري من التصرّفات الناقلة عند الأكثر، وعن جماعةٍ في مسألة وجوب الزكاة على المشتري للنصاب بخيارٍ للبائع: أنّ المشتري ممنوعٌ من كثيرٍ من التصرّفات المنافية لخيار البائع، بل ظاهر المحكيّ عن الجامع كعبارة الدروس عدم الخلاف في ذلك، حيث قال في الجامع: وينتقل المبيع بالعقد وانقضاء الخيار، وقيل بالعقد، ولا ينفذ تصرّف المشتري فيه حتّى ينقضي خيار البائع. وستجيء عبارة الدروس.
ولكن خلاف الشيخ وابن سعيد مبنيٌّ على عدم قولهما بتملّك المبيع قبل انقضاء الخيار، فلا يُعدّ مثلهما (شیخ و ابن سعید) مخالفاً في المسألة.
والموجود في ظاهر كلام المحقّق في الشرائع: جواز الرهن في زمن الخيار، سواء كان الخيار للبائع أو المشتري أو لهما، بل ظاهره عدم الخلاف في ذلك بين كلّ من قال بانتقال الملك بالعقد، وكذا ظاهره في باب الزكاة حيث حكم بوجوب الزكاة في النصاب المملوك ولو مع ثبوت الخيار.
نعم، استشكل فيه (کلام محقق) في المسالك في شرح المقامين على وجهٍ يظهر منه: أنّ المصنّف معترفٌ بمنشإ الإشكال. وكذا ظاهر كلام القواعد في باب الرهن وإن اعترض عليه جامع المقاصد بما مرّ من المسالك.
لكن صريح كلامه في التذكرة في باب الصرف جواز التصرّف. وكذا صريح كلام الشهيد في الدروس [حيث] قال في باب الصرف: لو باع [أحدهما] ما قبضه على غير صاحبه قبل التفرّق، فالوجه الجواز وفاقاً للفاضل، ومنعه الشيخ قدسسره لأنّه يمنع الآخر خيارَه. ورُدّ بأنّا نقول: يبقى الخيار، انتهى.
وصرّح في المختلف في باب الصرف: بأنّ له أن يبيع ماله من غير صاحبه، ولا يبطل حقّ خيار الآخر، كما لو باع المشتري في زمان خيار البائع. وهو ظاهر اللمعة بل صريحها (لمعه) في مسألة رهن ما فيه الخيار، وإن شرحها في الروضة بما لا يخلو عن تكلّف.
هذا، ويمكن أن يقال: إنّ قول الشيخ ومن تبعه بالمنع ليس منشؤه القول بعدم انتقال المبيع ومتفرّعاً عليه؛ وإلاّ لم يكن وجهٌ لتعليل المنع عن التصرّف بلزوم إبطال حقّ الخيار، بل المتعيّن الاستناد إلى عدم حصول الملك مع وجود الخيار.
بل لعلّ القول بعدم الانتقال منشؤه كون المنع عن التصرّف مفروغاً عنه عندهم، كما يظهر من بيان مبنى هذا الخلاف في الدروس، قال: في تملّك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعنى الكشف أو النقل خلافٌ، مأخذه (خلاف): أنّ الناقل العقد، والغرض بالخيار الاستدراك وهو لا ينافيه، وأنّ غاية الملك التصرّف الممتنع في مدّة الخيار، انتهى.
وظاهر هذا الكلام كالمتقدّم عن جامع ابن سعيد كون امتناع التصرّف في زمن الخيار مسلّماً بين القولين، إلاّ أن يُراد نفوذ التصرّف على وجهٍ لا يملك بطلانه بالفسخ ولا يتعقّبه ضمان العين بقيمتها عند الفسخ، والتصرّف في زمن الخيار على القول بجوازه معرضٌ لبطلانه عند الفسخ أو مستعقبٌ للضمان لا محالة. وهذا الاحتمال وإن بَعُد عن ظاهر عبارة الدروس، إلاّ أنّه يقرّبه أنّه قدسسره قال بعد أسطر: إنّ في جواز تصرّف كلٍّ منهما في الخيار وجهين.
والحاصل: أنّ كلمات العلاّمة والشهيد بل وغيرهما قدّس الله أسرارهم في هذا المقام لا تخلو بحسب الظاهر عن اضطراب.
ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين العتق وغيره من التصرّفات، وربما يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه على التغليب. وكذا الظاهر عدم الفرق بين الإتلاف والتصرّفات الناقلة.
واختار بعض أفاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع عن الإتلاف وتجويز غيره، لكن مع انفساخه من أصله عند فسخ ذي الخيار، وقيل بانفساخه حينئذٍ من حينه.
حجّة القول بالمنع: أنّ الخيار حقٌّ يتعلّق بالعقد المتعلّق بالعوضين من حيث إرجاعهما بِحَلِّ العقد إلى مالكهما السابق، فالحقّ بالأخرة متعلّقٌ بالعين التي انتقلت منه إلى صاحبه، فلا يجوز لصاحبه أن يتصرّف فيها (عین) بما يبطل ذلك الحقّ بإتلافها أو نقلها إلى شخصٍ آخر.
ومنه يظهر أنّ جواز الفسخ مع التلف بالرجوع إلى البدل لا يوجب جواز الإتلاف؛ لأنّ الحقّ متعلِّقٌ بخصوص العين، فإتلافها إتلافٌ لهذا الحقّ وإن انتقل إلى بدله لو تلف بنفسه، كما أنّ تعلّق حقّ الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب جواز إتلافها (عین) على ذي الحقّ.
وإلى ما ذكر يرجع ما في الإيضاح: من توجيه بطلان العتق في زمن الخيار بوجوب صيانة حقّ البائع في العين المعيّنة عن الإبطال.
ويؤيّد ما ذكرنا: أنّهم حكموا من غير خلافٍ يظهر منهم بأنّ التصرّف الناقل إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره، فلو لم يكن حقّا متعلِّقاً بالعين لم يكن وقوع ذلك موجباً لسقوط الخيار، فإنّ تلف العين لا ينافي بقاء الخيار؛ لعدم منافاة التصرّف لعدم الالتزام بالعقد وإرادة الفسخ بأخذ القيمة.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه المنع، لكنّه لا يخلو عن نظرٍ؛ فإنّ الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين هي سلطنة ذي الخيار على فسخ العقد المتمكّن في حالتي وجود العين وفقدها، فلا دلالة في مجرّد ثبوت الخيار على حكم التلف جوازاً ومنعاً، فالمرجع فيه أدلّة سلطنة الناس على أموالهم، ألا ترى أنّ حقّ الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين؟ ومجرّد الفرق بينهما: بأنّ الشفعة سلطنةٌ على نقلٍ جديدٍ فالملك مستقرٌّ قبل الأخذ بها غاية الأمر تملّك الشفيع نقله إلى نفسه، بخلاف الخيار فإنّها سلطنةٌ على رفع العقد وإرجاع الملك إلى الحالة السابقة، لا يؤثّر في الحكم المذكور مع أنّ الملك في الشفعة أولى بالتزلزل، لإبطالها تصرّفات المشتري اتّفاقاً.