وربّما يستدلّ لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السيّاري الحاكية لقضيّة ابن أبي ليلى، حيث قدّم إليه رجلٌ خصماً له، فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفها شعراً، وزعمت أنّه لم يكن لها (جاریه) قطّ، فقال له ابن أبي ليلى: إنّ الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتّى يذهبوه، فما الذي كرهت؟ فقال له: أيّها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به، قال حتّى أخرج إليك فإنّي أجد أذى في بطني، ثم دخل بيته وخرج من بابٍ آخر، فأتى محمّد بن مسلم الثقفي، فقال له: أيّ شيءٍ تروون عن أبي جعفر عليهالسلام في المرأة لا يكون على ركبها شعرٌ، أيكون هذا عيباً؟ فقال له محمّد بن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، ولكن حدّثني أبو جعفر عن أبيه، عن آبائه، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم، قال: «كلّ ما كان في أصل الخِلْقة فزاد أو نقص فهو عيبٌ» فقال له ابن أبي ليلى: حسبُك هذا! فرجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب.
فإنّ ظاهر إطلاق الرواية المؤيَّد بفهم ابن مسلم من حيث نفي نصوصيّة الرواية في تلك القضيّة المشعر بظهورها (روایت) فيها، وفهم ابن أبي ليلى من حيث قوله وعمله (ابن ابی لیلی) كون مجرّد الخروج عن المجرى الطبيعي عيباً وإن كان مرغوباً فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه، كما يظهر من قول ابن أبي ليلى: «إنّ الناس ليحتالون.. إلخ»، وتقرير المشتري له في ردّه.
لكنّ الإنصاف: عدم دلالة الرواية على ذلك.
أمّا أوّلاً: فلأنّ ظاهر الحكاية أنّ ردّ المشتري لم يكن لمجرّد عدم الشعر بل لكونها (عدم شعر) في أصل الخلقة كذلك، الكاشف عن مرضٍ في العضو أو في أصل المزاج، كما يدلّ عليه عدم اكتفائه في عذر الردّ بقوله: «لم أجد على ركبها شعراً» حتّى ضمّ إليه دعواه «أنّه لم يكن لها قطُّ».
وقول ابن أبي ليلى: «إنّ الناس ليحتالون في ذلك حتّى يذهبوه» لا يدلّ على مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض، وإنّما هي مغالطةٌ عليه تفصّياً عن خصومته، لعجزه عن حكمها، وإلاّ فالاحتيال لإذهاب شعر الركب لا يدلّ على أنّ عدمه في أصل الخلقة شيءٌ مرغوبٌ فيه، كما أنّ احتيالهم لإذهاب شعر الرأس لا يدلّ على كون عدمه من أصله لقَرَعٍ أو شبهه أمراً مرغوباً فيه.
وبالجملة، فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر على الركب ممّا يُقطع أو يُحتمل كونه لأجل مرضٍ عيباً. وقد عُدّ من العيوب الموجبة للأرش ما هو أدون من ذلك.
وأمّا ثانياً: فلأنّ قوله عليهالسلام: «فهو عيبٌ» إنّما يراد به بيان موضوع العيب توطئةً لثبوت أحكام العيب له، والغالب الشائع المتبادر في الأذهان هو ردّ المعيوب؛ ولذا اشتهر: كلّ معيوبٍ مردودٌ. وأمّا باقي أحكام العيب وخياره (عیب) مثل عدم جواز ردّه بطروّ موانع الردّ بخيار العيب، وكونه مضموناً على البائع قبل القبض وفي مدّة الخيار فلا يظهر من الرواية ترتّبها على العيب، فتأمّل (اگر عیب بودن را قبول کردیم جواز رد از حیث عیب است نه از حیث تخلف شرط).
وثالثاً: فلأنّ الرواية لا تدلّ على الزائد عما يدلّ عليه العرف؛ لأنّ المراد بالزيادة والنقيصة على أصل الخلقة ليس مطلق ذلك قطعاً، فإنّ زيادة شعر رأس الجارية أو حدّة بصر العبد أو تعلّمهما للصنعة والطبخ، وكذا نقص العبد بالختان وحلق الرأس ليس عيباً قطعاً، فتعيّن أن يكون المراد بها الزيادة والنقيصة الموجبتين لنقصٍ في الشيء من حيث الآثار والخواصّ المترتّبة عليه، ولازم ذلك نقصه (عبد) من حيث الماليّة؛ لأنّ المال المبذول في مقابل الأموال بقدر ما يترتّب عليها من الآثار والمنافع.
ورابعاً: لو سلّمنا مخالفة الرواية للعرف في معنى العيب، فلا ينهض لرفع اليد بها عن العرف المحكَّم في مثل ذلك لولا النصّ المعتبر، لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالإرسال والمرسِل، فافهم.
وقد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ الأولى في تعريف العيب ما في التحرير والقواعد: من أنّه نقصٌ في العين، أو زيادةٌ فيها تقتضي النقيصة الماليّة في عادات التجار. ولعلّه المراد بما في الرواية كما عرفت ومراد كلّ من عبّر بمثلها؛ ولذا قال في التحرير بعد ذلك: «وبالجملة كلّ ما زاد أو نقص عن أصل الخلقة». والقيد الأخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الأغراض، كما قد يقال ذلك في العبد الخصيّ.
ولا ينافيه ما ذكره في التحرير: من أنّ عدم الشعر على العانة عيبٌ في العبد والأمة؛ لأنّه مبنيٌّ على ما ذكرنا في الجواب الأوّل عن الرواية: من أنّ ذلك كاشفٌ أو موهمٌ لمرضٍ في العضو أو المزاج، لا على أنّه لا يعتبر في العيب النقيصة الماليّة.
وفي التذكرة بعد أخذ نقص الماليّة في تعريف العيب، وذكر كثيرٍ من العيوب ـ : والضابط أنّه يثبت الردّ بكلّ ما في المعقود عليه من منقّص القيمة أو العين نقصاً يفوت به غرضٌ صحيحٌ بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه، انتهى كلامه.
وما أحسنه! حيث لم يجعل ذلك تعريفاً للعيب، بل لما يوجب الردّ فيدخل فيه مثل خصاء العبد، كما صرّح به في التذكرة معلّلاً بأنّ الغرض قد يتعلّق بالفحوليّة وإن زادت قيمته باعتبارٍ آخر، وقد دخل المشتري على ظنّ السلامة، انتهى. ويخرج منه مثل الثيبوبة والغُلفة في المجلوب.
ولعلّ من عمّم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك، وعن جماعةٍ أراد به مجرّد موجب الردّ، لا العيب الذي يترتّب عليه كثيرٌ من الأحكام وإن لم يكن فيه أرشٌ، كسقوط خياره بتصرّفٍ أو حدوث عيبٍ وغير ذلك.
وعليه يبتني قول جامع المقاصد، كما عن تعليق الإرشاد، حيث ذكرا: أنّ اللازم تقييد قول العلاّمة: «يوجب نقص الماليّة» بقوله: «غالباً» ليندرج مثل الخصاء والجَبّ؛ لأنّ المستفاد من ذكر بعض الأمثلة أنّ الكلام في موجبات الردّ، لا خصوص العيب. ويدلّ على ذلك أنّه قيّد «كونَ عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيباً» ب «علم المشتري بجلبه»؛ إذ ظاهره أنّه مع عدم العلم عيبٌ، فلولا أنّه أراد بالعيب مطلق ما يوجب الردّ لم يكن معنىً لدخل علم المشتري وجهله (مشتری) في ذلك.