الجنان الواسطة ، والنعيم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟! وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، أنّ أبي حدّثني عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، وما كذبت ولا كذبت» (١) ، وقال أيضا في خطبته المعروفة : «خطّ الموت على ابن آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة» إلى آخرها ، مع أنّ الزينة بدون المتزين لا إمكان لها. وقيل لمحمّد بن علي ـ عليهما‌السلام ـ : «ما الموت قال : هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة إلّا أنّه طويل مدته لا ينتبه منه إلّا يوم القيامة ، فمن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره ومن أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره ، فكيف حال فرح في النوم ووجل فيه ، هذا هو الموت فاستعدوا له» (٢).

فالموت ليس إعداما للإنسان فإطلاق الإعدام والإفناء على بعض أنواع الموت لا يكون على سبيل الحقيقة ؛ إذ الأرواح باقية وتشخص الأشخاص بالأرواح ، فزيد باق ما دام روحه باقيا ؛ إذ البدن كالثوب فكما أنّ نزع الثوب لا يوجب سلب الزيدية عن زيد ، فكذلك نزع البدن لا يوجب ذلك ، ولذا كثيرا ما رأينا آباءنا أو امهاتنا أو أقرباءنا أو أصدقاءنا في المنام بعد مماتهم ونقول : رأيناهم ولا يكون إسناد الرؤية إليهم إسنادا مجازيّا ، وربّما يخبرونا بالواقعيات ، وبما يختصّ بهم ، ممّا لم يعلم به إلّا بهم ، فهذه آية وجودهم في الواقع من دون ريب وارتياب.

بل الموت وسيلة انتقال للإنسان وارتقائه وتخليصه عن الأوساخ والأقذار ، وسبب نجاته عن سجن الدنيا وكدوراتها ، وموجب لاستراحة المؤمن وإراحة الناس عن الكفّار والأشرار ، وهو حقّ يأتي كلّ إنسان «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٦ ص ١٥٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٦ ص ١٥٥.

۲۸۱۱