مَيِّتُونَ».

الخامس : أنّ إعادة الأرواح إلى الأبدان في القيامة لا تكون إعادة المعدوم ، لأنّ المفروض كما عرفت هو بقاء الأرواح في البرزخ ، فالأرواح لا تكون معدومة حتّى تكون إعادتها إعادة المعدوم ، كما لا يكون أيضا إعادة أجزاء البدن إعادة المعدوم ، لأنّ الأجزاء المتفرقة موجودة معلومة عند الله تعالى ، ولا يعزب شيء منها عن علمه تعالى مهما تبدّلت وتغيّرت.

هذا مضافا إلى عدم اشتراط بقاء أجزاء مادة البدن في عينية الإنسان المعاد واتحاده مع الإنسان الذي كان في الدنيا عقلا ؛ لما عرفت من أنّ تشخص الشخص بحقيقته ، وهي روحه ، ولذا لم يضر ببقائه تبدّل أجزائه في الحياة الدنيا بتمامها ، مع ما قيل من أنّ أجزاء الإنسان تتبدّل مرّات عديدة في طول سنوات عمره (١) ، ويشهد له حكم المحاكم بمجرمية من ارتكب جرما في أيام شبابه ، ثم هرب واخذ في أيام هرمه ، ولزوم عقوبته مع تبدّل أجزاء بدنه مرّات عديدة ، في طول حياته فلو خلق مثل بدن ميت في العقبى ، اعيد روحه إليه ، لكانت العينيّة محفوظة كما لا يخفى ، ولكن مقتضى الأدلّة الشرعيّة هو خلق البدن من الأجزاء المتفرّقة التي كانت بدنا له في أيام الدنيا ، كما يشهد له قوله تعالى : ﴿وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (٢) ، فإنّ الإخراج والخروج فرع بقائهم في الأرض ، ـ وإلّا فلا يصدق عنوان الإخراج والخروج وغير ذلك من الشواهد والأدلّة.

ولعلّ إليه يؤول ما ذكره المحقق اللاهيجي ـ قدس‌سره ـ : «من أنّ المحققين يقولون : إنّ البدن بعد مفارقة الروح ، وإن انعدم بحسب الصورة ، ولكن يبقى بحسب المادة ففي وقت الإعادة افيض عليها مثل الصورة الأوّلية ، وتتعلّق الروح الباقية بالبدن المعاد (وتتحد الهوهوية) لأنّ تشخّص الإنسان بتشخّص النفس

__________________

(١) راجع معارف قرآن : جلسة ٤٩ ص ٤١٤ ـ ٤٢١.

(٢) الروم : ١٩.

۲۸۱۱