لم يفرّق أيضا بين القطّاع وغيره.
وإن اريد بذلك أنّه بعد انكشاف الواقع لا يجزي ما أتى به على طبق قطعه ، فهو أيضا حقّ في الجملة ؛ لأنّ المكلّف إن كان تكليفه حين العمل مجرّد الواقع من دون مدخليّة للاعتقاد ، فالمأتيّ به المخالف للواقع لا يجزي عن الواقع ، سواء القطّاع وغيره. وإن كان للاعتقاد مدخل فيه ـ كما في أمر الشارع بالصلاة إلى ما يعتقد كونها قبلة ـ فإنّ قضيّة هذا كفاية القطع المتعارف ، لا قطع القطّاع ، فيجب عليه الإعادة وإن لم تجب على غيره.
توجيه الحكم بعدم اعتبار قطع القطّاع
ثمّ إنّ بعض المعاصرين (١) وجّه الحكم بعدم اعتبار قطع القطّاع ـ بعد تقييده بما إذا علم القطّاع أو احتمل أن يكون حجيّة قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا ـ : بأنّه يشترط في حجّية القطع عدم منع الشارع عنه وإن كان العقل أيضا قد يقطع بعدم المنع ، إلاّ أنّه إذا احتمل المنع يحكم بحجّية القطع ظاهرا ما لم يثبت المنع.
مناقشة التوجيه المذكور
وأنت خبير بأنّه يكفي في فساد ذلك عدم تصوّر القطع بشيء وعدم ترتيب آثار ذلك الشيء عليه مع فرض كون الآثار آثارا له.
والعجب أنّ المعاصر مثّل لذلك بما إذا قال المولى لعبده : لا تعتمد في معرفة أوامري على ما تقطع به من قبل عقلك ، أو يؤدّي إليه حدسك ، بل اقتصر على ما يصل إليك منّي بطريق المشافهة أو المراسلة (٢). وفساده يظهر ممّا سبق من أوّل المسألة إلى هنا.
__________________
(١) هو صاحب الفصول في الفصول : ٣٤٣.
(٢) كذا في (م) ، وفي غيرها : «والمراسلة».