ونحن يكفينا إنكار عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وهو المعصوم الذي يدور معه الحقّ كيفما دار ، كما في الحديث النبويّ المعروف. (١) وإنكاره معلوم من طريقته. وقد رووا عنه قوله عليهالسلام : «لو كان الدين بالرأي لكان المسح على باطن الخفّ أولى من ظاهره» (٢). وهو يريد بذلك إبطال القول بجواز المسح على الخفّ الذي لا مدرك له إلاّ القياس ، أو الاستحسان.
الدليل من العقل
لم يذكر أكثر الباحثين عن القياس دليلا عقليّا على حجيّته ، غير أنّ جملة منهم (٣) ذكر له وجوها أحسنها ـ فيما أحسب ـ ما سنذكره ، مع أنّه من أوهن الاستدلالات.
الدليل : أنّا نعلم قطعا بأنّ الحوادث لا نهاية لها. ونعلم قطعا أنّه لم يرد النصّ في جميع الحوادث ؛ لتناهي النصوص ، ويستحيل أن يستوعب المتناهي ما لا يتناهى ؛ إذن ، فيعلم أنّه لا بدّ من مرجع لاستنباط الأحكام ، لتلافي النواقص من الحوادث ، وليس هو إلاّ القياس. (٤)
والجواب : صحيح أنّ الحوادث الجزئيّة غير متناهية ، ولكن لا يجب في كلّ حادثة جزئيّة أن يرد نصّ من الشارع بخصوصها ، بل يكفي أن تدخل في أحد العمومات. والأمور العامّة محدودة متناهية ، لا يمتنع ضبطها ، ولا يمتنع استيعاب النصوص لها. على أنّ فيه مناقشات أخرى ، لا حاجة بذكرها.
٤. منصوص العلّة ، وقياس الأولويّة
ذهب بعض علمائنا ـ كالعلاّمة الحليّ قدسسره (٥) ـ إلى أنّه يستثنى من القياس الباطل ما كان
__________________
(١) وهو قوله عليهالسلام : «علىّ مع الحقّ والحقّ مع علي». إحقاق الحق ٤ : ٢٧.
(٢) هذا مفاد الحديث ، وإليك نصّه : «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه ...» سنن أبي داود ١ : ٤٢ ؛ المحلّى ١ : ٦١.
(٣) كالدقاق على ما في اللمع في أصول الفقه : ٩٣.
(٤) هذا الدليل ذكره الآمديّ ثمّ أجاب عنه بوجوه. راجع الإحكام ٤ : ٣٧.
(٥) نسبه إليه المحقّق البحرانيّ في الحدائق الناضرة ١ : ٦٠ ـ ٦٣. ولكن في نسبته إليه نظر ؛ لأنّه صرّح بأنّ ـ