استكشاف موافقة الشارع عدم ثبوت الردع منه ؛ إذ لعلّه ردعهم عن إجرائها (١) في الأمور الشرعيّة فلم يجروها ، أو لعلّهم لم يجروها في الأمور الشرعيّة من عند أنفسهم فلم يكن من وظيفة الشارع أن يردع عنها في غير الأمور الشرعيّة ، لو كان لا يرتضيها في الشرعيّات. وعليه ، فلأجل استكشاف رضا الشارع وموافقته على إجرائها في الشرعيّات لا بدّ من إقامة دليل خاصّ قطعيّ على ذلك.
وبعض السير من هذا القبيل قد ثبت عن الشارع إمضاؤه لها ، مثل الرجوع إلى أهل الخبرة عند النزاع في تقدير قيم الأشياء ومقاديرها ، نظير القيميّات المضمونة بالتلف ونحوه ، وتقدير قدر الكفاية في نفقة الأقارب ، ونحو ذلك.
أمّا : ما لم يثبت فيها دليل خاصّ ـ كالسيرة في الرجوع إلى أهل الخبرة في اللغات ـ فلا عبرة بها ، وإن حصل الظنّ منها ؛ لأنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا. كما تقدّم ذلك هناك.
٢. حجّيّة سيرة المتشرّعة
إنّ السيرة عند المتشرّعة من المسلمين على فعل شيء أو تركه هي في الحقيقة من نوع الإجماع ، بل هي أرقى (٢) أنواع الإجماع ؛ لأنّها إجماع عمليّ من العلماء ، وغيرهم. والإجماع في الفتوى إجماع قوليّ ، ومن العلماء خاصّة.
والسيرة على نحوين : تارة يعلم فيها أنّها كانت جارية في عصور المعصومين عليهمالسلام ، حتى يكون المعصوم أحد العاملين بها ، أو يكون مقرّرا لها ، وأخرى لا يعلم ذلك ، أو يعلم حدوثها بعد عصورهم.
فإن كانت على النحو الأوّل فلا شكّ في أنّها حجّة قطعيّة على موافقة الشارع ، فتكون بنفسها دليلا على الحكم ، كالإجماع القوليّ الموجب للحدس القطعيّ برأي المعصوم. وبهذا تختلف عن «سيرة العقلاء» (٣) ؛ فإنّها إنّما تكون حجّة إذا ثبت من دليل آخر إمضاء الشارع
__________________
(١) أي : السيرة.
(٢) أي : أرفع.
(٣) راجع حاشية شيخنا الأصفهاني قدسسره على مكاسب الشيخ : ٢٥. ـ منه قدسسره ـ.