لها ، ولو من طريق عدم ثبوت الردع من قبله ، كما سبق.

وإن كانت على النحو الثاني ، فلا نجد مجالا للاعتماد عليها في استكشاف موافقة المعصوم على نحو القطع واليقين ، كما قلنا في الإجماع ، وهي نوع منه ، بل هي دون الإجماع القوليّ في ذلك ، كما سيأتي وجهه. (١)

قال الشيخ الأعظم قدس‌سره في كتاب البيع في مبحث المعاطاة : «وأمّا : ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث ـ يقصد توريث ما يباع معاطاة ـ فهي كسائر سيراتهم الناشئة من المسامحة ، وقلّة المبالاة في الدين ممّا لا يحصى في عباداتهم ، ومعاملاتهم ، كما لا يخفى». (٢)

ومن الواضح أنّه يعنى من السيرة هذا النحو الثاني. والسرّ في عدم الاعتماد على هذا النحو من السيرة هو ما نعرف من أسلوب نشأة العادات عند البشر ، وتأثير العادات على عواطف الناس : أنّ بعض الناس المتنفّذين ، أو المغامرين قد يعمل شيئا ؛ استجابة لعادة غير إسلاميّة ، أو لهوى في نفسه ، أو لتأثيرات خارجيّة ، نحو تقليد الأغيار ، أو لبواعث انفعالات نفسيّة ، مثل حبّ التفوّق على الخصوم ، أو إظهار عظمة شخصه ، أو دينه ، أو نحو ذلك. ويأتي آخر فيقلّد الأوّل في عمله ، ويستمرّ العمل ، فيشيع بين الناس من دون أن يحصل من يردعهم عن ذلك ؛ لغفلة ؛ أو لتسامح ؛ أو لخوف ؛ أو لغلبة العاملين فلا يصغون إلى من ينصحهم ؛ أو لغير ذلك.

وإذا مضت على العمل عهود طويلة يتلقّاه الجيل بعد الجيل ، فيصبح سيرة المسلمين ، وينسى تأريخ تلك العادة. وإذا استقرّت السيرة يكون الخروج عليها خروجا على العادات المستحكمة التي من شأنها أن تتكوّن لها قدسيّة واحترام لدى الجمهور ، فيعدّون مخالفتها من المنكرات القبيحة ، وحينئذ يتراءى أنّها عادة شرعيّة وسيرة إسلاميّة ، وأنّ المخالف لها مخالف لقانون الإسلام ، وخارج على الشرع.

ويشبه أن يكون من هذا الباب سيرة تقبيل اليد ، والقيام احتراما للقادم ، والاحتفاء (٣)

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ٥١٧.

(٢) المكاسب (للشيخ الأنصاري) : ٨٣.

(٣) الاحتفاء : إظهار الفرح.

۶۸۸۱