وعقلا ترك الأوّل (١) وفعل الثاني (٢) ، وكان مأمونا من عقوبة مخالفته ، كان عدم نهوض الحجّة لأجل فقدان النصّ (٣) ، أو إجماله واحتماله الكراهة أو الاستحباب ، أو تعارضه فيما لم يثبت بينهما ترجيح ، بناء على التوقّف في مسألة تعارض النصّين فيما لم يكن ترجيح في البين ؛ وأمّا بناء على التخيير ـ كما هو المشهور ـ فلا مجال لأصالة البراءة وغيرها ، لمكان وجود الحجّة المعتبرة وهو أحد النصّين فيها ، كما لا يخفى.
[أدلّة جريان البراءة في الشكّ في التكليف]
[الدليل الأوّل : الكتاب]
وقد استدلّ على ذلك بالأدلّة الأربعة :
أمّا «الكتاب» : فبآيات (٤) ، أظهرها : قوله تعالى : ﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
__________________
ـ منهم وافق المصنّف رحمهالله ورجّح تعميم البحث لمطلق الشكّ في التكليف وتعنونه بعنوان واحد ، كالسيّدين العلمين ـ الإمام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ـ في أنوار الهداية ٢ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، ومصباح الاصول ٢ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣.
(٢) وهو ما شكّ في حرمته مع العلم بعدم وجوبه.
(٣) الأولى أن يقول : «فقدان الدليل».
(٤) منها : قوله تعالى : ﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ الاسراء / ١٥. وسيأتي البحث عن دلالتها.
ومنها : قوله تعالى : ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها﴾ الطلاق / ٧. وهذه الآية وقعت معركة الآراء ومورد النقض والإبرام بين الأعلام.
ويمكن الاستدلال بها بأحد التقريبين :
الأوّل : أنّ المراد من «الموصول» في قوله تعالى : ﴿ما آتاها﴾ هو التكليف ، كما أنّ المراد من قوله ﴿آتاها﴾ هو الإيصال والإعلام. فيكون معنى الآية : لا يكلّف الله نفسا إلّا بتكليف أعلمه الله وأوصله إلى المكلّف. ومعلوم أنّ في حال الجهل لا يكون التكليف واصلا ، فلا تكليف به.