__________________

ـ الثاني : أنّ المراد من «الموصول» أعمّ من الفعل والحكم ، فيكون المراد بالإيتاء هو الإعلام بالنسبة إلى الحكم والإقدار بالنسبة إلى الفعل ، فإنّ إيتاء كلّ شيء بحسبه. ومعلوم أنّ في حال الجهل لا يكون التكليف معلما ولا مقدورا ، فلا تكليف.

وأورد عليه الشيخ الأعظم الأنصاريّ بكلا التقريبين :

أمّا الأوّل : فلأنّ في مدلول الآية محتملات ثلاثة :

أحدها : أن يكون المراد بالموصول فيها خصوص المال ـ بقرينة قوله تعالى قبل ذلك : ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ ـ ؛ فيكون المعنى : لا يكلّف الله نفسا إلّا دفع ما اعطي من المال.

ثانيها : أن يكون المراد من «الموصول» نفس فعل الشيء أو تركه ـ بقرينة إيقاع التكليف عليه ـ ؛ فيكون إعطاؤه كناية عن الإقدار عليه ، وتدلّ الآية على نفي التكليف بغير المقدور.

ثالثها : أن يكون المراد من «الموصول» خصوص التكليف الشرعيّ ؛ فيكون الإيتاء بمعنى الإعلام والإيصال ، وتدلّ الآية على البراءة.

والآية الشريفة لا ظهور لها في الوجه الثالث كي تدلّ على المطلوب ، بل يكون الوجه الثاني أظهر ، لأنّ الإنفاق من الميسور داخل فيما آتاه الله تعالى.

وأمّا الثاني : فلأنّ تعلّق الفعل في الآية ـ وهو «يكلّف» ـ بالحكم يختلف عن نحو تعلّقه بالفعل ، فإنّ تعلّقه بالحكم نحو تعلّق الفعل بالمفعول المطلق ، وتعلّقه بفعل الشيء أو تركه نحو تعلّقه بالمفعول به ، ولا جامع بين المفعول به والمفعول المطلق ، فإرادتهما معا يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، وهو ممتنع. فرائد الاصول ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

والمحقّق النائينيّ ـ بعد ما دفع الإشكال على التقريب الثاني من استعمال اللفظ في أكثر من معنى بأنّ المراد من «الموصول» خصوص المفعول به ، ويكون ذلك شاملا للتكليف وموضوعه ، فإنّ إيتاء كلّ شيء بحسبه ، وأنّ المفعول المطلق النوعيّ والعدديّ يصحّ جعله مفعولا به بنحو من العناية ، فلا يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ـ أورد على التقريب الأوّل بأنّه لو سلّم ظهور الآية في إرادة التكليف من «الموصول» وإرادة الإعلام من «الإيتاء» فأقصى ما تدلّ عليه الآية هو أنّ المؤاخذة والعقوبة لا تحسن إلّا بعد بعث الرسل وإنزال الكتب وتبليغ الأحكام والتكليف إلى العباد ، وهذا لا ربط له لما نحن فيه من الشكّ في التكليف بعد البعث والإنزال والتبليغ. فوائد الاصول ٣ : ٣٣١ ـ ٣٣٣.

وقد حاول المحقّق العراقيّ تصحيح إرادة الجامع للفعل والحكم من الموصول بوجهين :

أحدهما : أنّ محذور استعمال اللفظ في الأكثر إنّما يلزم فيما إذا فرض إرادة ـ

۴۴۳۱