«فرع»:
لا خلاف نصّاً وفتوى في أنّ وطء الجارية يمنع عن ردّها بالعيب، سواءً قلنا بأنّ مطلق التصرّف مانعٌ أم قلنا باختصاصه بالتصرّف الموجب لعدم كون الشيء قائماً بعينه، غاية الأمر كون الوطء على هذا القول مستثنى عن التصرّف الغير المغيّر للعين كما عرفت من عبارة الغنية مع أنّ العلاّمة قدسسره علّل المنع في موضعٍ من التذكرة بأنّ الوطء جنايةٌ، ولهذا يوجب غرامة جزءٍ من القيمة كسائر جنايات المملوك.
وقد تقدّم في كلام الإسكافي أيضاً: أنّ الوطء ممّا لا يمكن معه (وطی) ردّ المبيع إلى ما كان عليه قبله، ويشير إليه ما سيجيء في غير واحدٍ من الروايات من قوله: «معاذ الله أن يجعل لها أجراً!» فإنّ فيه إشارةً إلى أنّه لو ردّها (جاریه) لا بدّ أن يردّ معها شيئاً تداركاً للجناية؛ إذ لو كان الوطء مجرّد استيفاء منفعةٍ لم يتوقّف ردّها (جاریه) على ردّ عوض المنفعة، فإطلاق الأجر عليه في الرواية على طبق ما يتراءى في نظر العرف [من كون هذه الغرامة كأنّها اجرةٌ للوطء].
وحاصل معناه: أنّه إذا حكمت بالردّ مع أرش جنايتها كان ذلك في الأنظار بمنزلة الأُجرة وهي ممنوعةٌ شرعاً؛ لأنّ إجارة الفروج غير جائزة. وهذا إنّما وقع من أمير المؤمنين عليهالسلام مبنيّاً على تقرير رعيّته على ما فعله الثاني من تحريم العقد المنقطع، فلا يقال: إنّ المتعة مشروعة، وقد ورد «أنّ المنقطعات مستأجراتٌ» فلا وجه للاستعاذة بالله من جعل الأُجرة للفروج. هذا ما يخطر عاجلاً بالبال في معنى هذه الفقرة، والله العالم.
وكيف كان، ففي النصوص المستفيضة الواردة في المسألة كفايةٌ:
ففي صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام: «في رجلٍ اشترى جاريةً فوقع عليها؟ قال: إن وجد فيها (جاریه) عيباً فليس له أن يردّها، ولكن يردّ عليه بقيمة ما نقَّصها العيب. قلت: هذا قول أمير المؤمنين عليهالسلام؟ قال: نعم».
وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام: «أنّه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها، فيجد بها عيباً بعد ذلك؟ قال: لا يردّها على صاحبها، ولكن يقوّم ما بين العيب والصحّة، ويردّ على المبتاع، معاذ الله أن يجعل لها أجراً!».
ورواية ميسّر عن أبي عبد الله عليهالسلام قال: «كان عليٌّ لا يردّ الجارية بعيبٍ إذا وطئت، ولكن يرجع بقيمة العيب، وكان يقول: معاذ الله! أن أجعل لها أجراً.. الخبر».
وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في رجلٍ اشترى جاريةً فوطأها، ثمّ رأى فيها عيباً، قال: تُقوَّم وهي صحيحةٌ، وتُقوَّم وبها الداء، ثمّ يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين القيمتين ».
وما عن حمّاد في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام، يقول: «قال عليّ بن الحسين عليهالسلام: كان القضاء الأوّل في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها، ثمّ ظهر على عيبٍ: أنّ البيع لازمٌ، وله أرش العيب» إلى غير ذلك ممّا سيجيء.
ثمّ إنّ المشهور استثنوا من عموم هذه الأخبار لجميع أفراد العيب الحمل، فإنّه عيبٌ إجماعاً، كما في المسالك. إلاّ أنّ الوطء لا يمنع من الردّ به، بل يردّها ويردّ معها العُشر أو نصفه على المشهور بينهم.
واستندوا في ذلك إلى نصوصٍ مستفيضة:
منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام: «عن رجلٍ اشترى جاريةً حُبلى ولم يعلم بحَبَلها، فوطأها؟ قال: يردّها على الذي ابتاعها منه، ويردّ عليها نصف عشر قيمتها لنكاحه إيّاها، وقد قال عليّ عليهالسلام: لا تُردّ التي ليست بحُبلى إذا وطأها صاحبها، ويوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها».
ورواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليهالسلام قال: «لا تردّ التي ليست بحُبلى إذا وطأها صاحبها وله أرش العيب، وتردّ الحُبلى ويردّ معها نصف عشر قيمتها». وزاد في الكافي، قال: وفي رواية اخرى: «إن كانت بكراً فعشر قيمتها، وإن كانت ثيّباً فنصف عشر قيمتها».
ومرسلة ابن أبي عمير عن سعيد بن يسار، قال: «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجلٍ باع جاريةً حُبلى وهو لا يعلم فنكحها الذي اشترى؟ قال: يردّها ويردّ نصف عشر قيمتها».
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يشتري الجارية، فيقع عليها فيجدها حُبلى؟ قال: تردّ ويردّ معها شيئاً».
وصحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام: «في الرجل يشتري الجارية الحُبلى فينكحها؟ قال: يردّها ويكسوها».
ورواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليهالسلام: «في الرجل يشتري الجارية وهي حُبلى فيطأها؟ قال: يردّها ويردّ عشر قيمتها».
هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات، وقد عمل بها المشهور، بل ادّعي على ظاهرها الإجماع في الغنية كما عن الانتصار، وعدم الخلاف في السرائر.