قال الفاضل النراقي ـ قدس‌سره ـ في تفسير هذه المحبّة والوداد في الله ، أن يحبه لله وفي الله ، لا لينال منه علما أو عملا ، أو يتوسل به إلى أمر وراء ذاته ، وذلك بأن يحبه من حيث إنّه متعلق بالله ، ومنسوب إليه ، أمّا بالنسبة العامّة الّتي ينتسب بها كل مخلوق إلى الله ، أو لأجل خصوصية النسبة أيضا ، من تقرّبه إلى الله ، وشدّة حبّه وخدمته له تعالى. ولا ريب في أنّ من آثار غلبة الحبّ أن يتعدى من المحبوب إلى كلّ من يتعلق به ويناسبه ، ولو من بعد ، فمن أحبّ إنسانا حبّا شديدا ، أحبّ محبّ ذلك الإنسان ، وأحبّ محبوبه ، ومن يخدمه ومن يمدحه ، ويثني عليه أو يثني على محبوبه ، وأحبّ أن يتسارع إلى رضى محبوبه كما قيل :

أمرّ على الديار ديار ليلى

اقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حبّ الديار شغفن قلبي

ولكن حبّ من سكن الديارا

وأمّا البغض في الله : فهو أن يبغض إنسان إنسانا لأجل عصيانه لله ومخالفته له تعالى ، فإنّ من يحبّ في الله ، لا بدّ وأن يبغض في الله ، فإنّك إن أحببت إنسانا لأنه مطيع لله ومحبوب عنده ، فإن عصاه لا بدّ أن تبغضه ؛ لأنّه عاص له وممقوت عند الله ، قال عيسى ـ عليه‌السلام ـ : «تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقرّبوا إلى الله بالتباعد عنهم ، والتمسوا رضا الله بسخطهم» (١).

وهذا من مقتضيات الدين والإيمان ، وكلّما ازداد دين امرئ زيد حبّه في الله ، وبغضه في الله ، وكلّما ضعف إيمان امرئ نقصت فيه تلك المحبة والبغضة ، وإليه يشير ما رواه في الكافي بسند موثق عن فضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الحبّ والبغض ، أمن الإيمان هو؟ فقال : وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض ، ثم تلا هذه الآية : «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ

__________________

(١) راجع جامع السعادات : ج ٣ ص ١٨٦ ـ ١٨٧.

۲۸۱۱