بهذه الخصيصة وقال عزوجل : ﴿وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ﴾ (١).
وفي هذه الآية الكريمة أيضا دلالة على أنّ إخلاص العباد وجعلهم من المخلصين ـ بفتح اللام ـ بواسطة هذه الخصّيصة والصفة المباركة ، وكيف كان فيكفي في أهمية ذكر الآخرة أنّ الإنذار والتبشير كان من اصول دعوة الأنبياء والمرسلين ، فمن أراد إصلاح نفسه وغيره ، فعليه بذكر الموت والآخرة وأحوالها ، وعليه أن يقتفي بالقرآن الكريم وبالأنبياء العظام وبالأولياء الكرام في تربية الناس وإصلاحهم ، بأن ينذرهم ويبشّرهم كما كانت تلك سيرة العلماء الأبرار.
إذ علّة انحراف الجوامع البشريّة في يومنا هذا هي الغفلة عن الله وعن الآخرة ، ولا يرتفع الانحراف والسقوط إلّا بإزالة هذه العلّة ، ولا تزول هذه العلّة ، إلّا بذكر الآخرة ، والالتفات المستمر إليها ، كما قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (٢).
فمن طلب الجنّة ومقاماتها فعليه بالإيمان الخالص وبالأخلاق الحسنة وبالأعمال الصالحة ؛ لأنّ الجنّة ومقاماتها حصيلة هذه الامور والدنيا ـ كما اشتهر عن النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ مزرعة الآخرة ؛ لأنّ زاد الآخرة لا يمكن تحصيله إلّا في هذه الدنيا ، كما قال مولانا أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ : «الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من ممرّكم لمقرّكم» (٣) وقال أيضا : «فتزوّدوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا» (٤) ومن المعلوم أنّ رجاء الآخرة بدون
__________________
(١) ص : ٤٥ ـ ٤٧.
(٢) الذاريات : ٥٥.
(٣) بحار الأنوار : ج ٧٣ ص ١٣٤.
(٤) نهج البلاغة فيض الاسلام : ج ١ ص ١٤٤ ، الخطبة ٦٣.