وجعل القيامة قريبة ممكنة خلافا لما تخيله الكفّار من كونها بعيدة ، وقال جلّ جلاله : ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً (١) ، وأرسل رسله للإنذار والتبشير بالآخرة والقيامة ، كما قال تعالى : ﴿وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ (٢) ، وليس ذلك إلّا لحتمية وقوعها ، وأيضا جعل القيامة من ميعاده التي لا تخلف فيها ، لحتمية وقوعها ، كما قال تعالى : ﴿رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣).

وغير ذلك من الآيات ، فإنّ كلّها تحكي عن حتميّة وقوع القيامة والبعث والنشور المذكور في القرآن بالمطابقة أو الملازمة ، فإنّ بيان أوصاف القيامة ، وبيان أوصاف المؤمنين والكافرين والمجرمين ، أو بيان أوصاف الجنّة والجحيم أو غير ذلك ، أيضا تدلّ على حتمية وقوع القيامة والبعث والنشور ، إذ البحث عن هذه الخصوصيّات يكون بعد الفراغ عن أصل وقوعها.

ثم إنّ مقتضى قوله : ﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤) وغيره هو أنّ المعاد الذي آمن به إبراهيم وغيره في الأزمان السالفة قبل الإسلام هو المعاد الجسماني.

فالآيات القرآنية تدلّ بالصراحة على وقوع المعاد وحتميته ، وعلى كونه معادا جسمانيا ، وعلى كونه مما اعتقد وآمن به كلّ نبيّ وكلّ مرسل وكلّ مؤمن في كلّ عصر من الأعصار الماضية ، هذا مع قطع النظر عمن الأخبار والروايات المتواترات الواردة في المعاد الجسماني ، فلا مجال للريب في أصل وقوع المعاد ،

__________________

(١) المعارج : ٧.

(٢) الأنعام : ٤٨.

(٣) آل عمران : ٩.

(٤) البقرة : ٢٦٠.

۲۸۱۱