حتّى يرفع استبعادهم في عودة حياة العظام البالية ، وفي جمع الأجزاء المتفرّقة في أقطار الأرض وأكّد ذلك في ضمن آيات عديدة اخرى أيضا ، منها قوله تعالى : ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ (١) ، ومنها قوله تعالى : «﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ﴾ ـ إلى أن قال عزّ شأنه ـ : ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾» (٢).
فمن شك في صدور المعاد عن قدرته تعالى فلينظر إلى ما صدر وما يصدر عنه تعالى في خلقة الإنسان مع عجائب ما فيه ، وفي خلقة الأشجار والأثمار والنباتات ، فهل يمكن أن يقدر الله تعالى على مثل هذه الامور ولا يقدر على إحياء الموتى بعد تفرّق أجزائهم ، فالتأمل حول قدرته تعالى والعلم بأنّها مطلقة ، وهكذا التأمل حول علمه تعالى وأنّه لا يعزب شيء عن حيطة علمه ، يوجب رفع الاستبعادات والظنون الواهية ؛ إذ لا موجب لها ، بل هذه الظنون والدعاوى الباطلة لا توافق حكمة الله تعالى ، وقد أشار إليه في كتابه العزيز بقوله : ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ (٣) ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى عند الإشارة إلى الأدلّة العقليّة لوقوع المعاد ووجوبه.
ثم إنّ هذه الظنون سواء كانت عن الذين آمنوا بالله ، أو عن الذين لم يؤمنوا به ، التي لا دليل عليها تنشأ عن ضعفهم في المعرفة بالله تعالى وقدرته وعلمه ، مضافا إلى مطابقتها لأهوائهم وأميالهم الفاسدة ، لأنّ الاعتقاد بالمعاد يصلح للرادعية ، والدعوة إلى ترك اللذات والشهوات الفاسدة ، فبإنكار المعاد يرفع
__________________
(١) يس : ٨١.
(٢) الحج : ٥.
(٣) ص : ٢٧.