يجتمع موت الأبدان مع حياتها حتّى يناقضها ، وعليه فالمعاد ، هو إعادة الموجود إلى الموجود ، لبقاء الأرواح ولبقاء أجزاء الابدان ، أو مادتها ، وتجديد حياة الأبدان بعد موتها لا في حال موتها ، وهذا لا استحالة فيه ، بل أمر ممكن ذاتا هذا كلّه بالنسبة إلى الإمكان الذاتي.
وأمّا الإمكان الوقوعي فهو أيضا واضح ؛ إذ لا يستلزم المعاد محالا ، بل المقتضي لوجوده موجود ، ولا مانع منه ، أمّا المقتضى فهو لتماميّة شرط الفاعلية بسبب كونه موافقا للحكمة والعدالة ونحوهما كما سيأتي إن شاء الله بيانه ، وأمّا عدم المانع فلعدم وجه صحيح ليمتنع وقوعه ، بل أدلّ شيء على إمكان وقوعه ، هو وقوع مثل المعاد وهو الرجعة في الدنيا ؛ إذ الرجعة في الحقيقة عود الأرواح إلى أبدانها كالمعاد ، وإنّما الفرق بينهما في التوقيت وعدمه ، وقد عرفت آنفا إمكان الرجعة ، ووقوعها في الامّة السالفة بنصّ القرآن الكريم ، وعرفت أيضا قيام الأخبار المتواترة على وقوعها في الأمة الإسلامية بعد ظهور الإمام الثاني عشر ـ أرواحنا فداه ـ فما تخيل أنّه مانع ليس بمانع ، وإنّما هو حاك عن قصور المتخيل في درك الحقائق كما لا يخفى ، فلا يبقى إلّا استبعادات من الكفّار والملحدين ، وهذه الاستبعادات ناشئة عن قياس قدرة الخالق وعلمه بقدرة المخلوق وعلمه ، وإلّا فمن آمن بالله تعالى وأوصافه على ما اقتضته الأدلّة والبراهين القطعيّة ، لا يستبعد صدور شيء منه تعالى ، وقد أشار إلى بعضها في القرآن الكريم مع الجواب عنه كقوله تعالى : ﴿وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ (١) ، والآية الكريمة أشارت إلى قدرته تعالى التي أوجبت إنشاء العظام وغيرها أوّل مرّة ، وإلى علمه الواسع الذي لا يعزب عنه شيء من المخلوقات
__________________
(١) يس : ٧٨.