وهو خلف في كونه عليما ورحيما وحكيما بالأدلة والبراهين القطعية ، وإليه يؤول ما يقال في تقريب لزوم الإمامة أنّها واجب في حكمته تعالى ؛ لأنّ المراد من الوجوب هو اللزوم والمقتضي كما مرّ مرارا ، لا الوجوب عليه فالأولى هو التعبير بالاقتضاء واللزوم كما عبر عنه الشيخ أبو علي سينا في الشفاء حيث قال في مقام إثبات النبوّة بعد ذكر المنافع الّتي لا دخل لها في بقاء النوع الإنساني ، كإثبات الشعر في الحاجب والأشفار : فلا يجوز أن يكون العناية الأولى تقتضي تلك المنافع ولا تقتضي هذه الّتي هي اسها (١).

وهذا كلّه بناء على التقريب الفلسفي الّذي ذهب إليه المصنف في إثبات النبوّة والإمامة ، وحاصله : أنّ النبوّة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ورحيميته المطلقة وإلّا لزم الخلف في كونه كمالا مطلقا كما لا يخفي ، وأمّا بناء على التقريب الكلامي فتقريبه كالتقريب الّذي مضى في النبوّة وهو أن يقال :

إنّ ترك اللطف نقض الغرض ؛ لأنّ غرض الحكيم لا يتعلق إلّا بالراجح وهو وجود الإنسان الكامل وإعداد الناس وتقريبهم نحو الكمال ، وهو لا يحصل بدون الإمام ، فيجب عليه اللطف ؛ لأنّ ترك الراجح عن الحكيم المتعال قبيح بل محال ، إذ مرجع الترجيح من غير مرجح إلى الترجح من غير مرجح كما لا يخفى.

وكيف كان فلا بد في كلّ عصر من وجود إمام هو يكون إنسانا كاملا هاديا للناس والخواص ، مقيما للعدل والقسط ، رافعا للظلم والعدوان ، حافظا للكتاب والسنّة ، رافعا للاختلاف والشبهة ، اسوة يتخلق بالأخلاق الحسنة حجة على الجنّ والإنس ، وإلّا كما عرفت لزم الخلف في كمال ذاته وهو محال ، أو الإخلال بغرضه وهو قبيح عن الحكيم ، بل هو أيضا محال كما عرفت ، فإذا كان كلّ نوع من أنواع لطف وجود الإمام من أغراضه تعالى فلا وجه

__________________

(١) إلهيات الشفاء : ص ٥٥٧.

۲۸۱۱