فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (١) ؛ إذ الإمساك والإرسال بعد الأخذ والتوفّي ممّا يصرّحان على وجود شيء آخر مع البدن وهو الروح ، وهو يبقى بعد الموت ويمسكه الله تعالى ، وغير ذلك من الأدلّة المتعددة المتظافرة القطعيّة (٢).
الثالث : أنّ بين الحياة الدنيويّة والحياة الاخروية حياة اخرى ، وهي الحياة البرزخية ، والآيات الدالّة على تلك الحياة متعددة ، وقد مرّ شطر منها ، وبقيت الاخرى ، منها : قوله تعالى : ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ...﴾ (٣) ؛ لأنّ البشارة بالذين لم يلحقوا بهم بعد القتل في سبيل الله والشهادة لا تكون إلّا في الحياة البرزخية.
ومنها : قوله تعالى : ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ (٤) ؛ إذ التمنّي بعد القتل والدخول في الجنة بالنسبة إلى قومه الذين قتلوه ولم يسمعوا إرشاده وكانوا أحياء لا يكون إلّا في الحياة البرزخية ، قال بعض الأعلام ـ بعد نقل جملة من الآيات الدالّة على الحياة البرزخية ـ : ظاهر الآيات الكريمة أنّ الإنسان المؤمن بعد الموت يدخل الجنّة كما في قوله تعالى : ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وقوله تعالى : ﴿فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ
__________________
(١) الزمر : ٤٢.
(٢) راجع الكتب التفسيرية ، والحديثية والفلسفية منها : درر الفوائد : ج ٢ ص ٣٥٥ ـ ٣٧٥ ، ونامه رهبران : ص ٤٤٤ ومعرفت نفس وگوهر مراد : ص ٩ و ٩٦ و ٤٣١.
(٣) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.
(٤) يس : ٢٥ ـ ٢٧.