للارتباط مع ما وراء الطبيعة وللإرسال والإحضار وباق بعد موت البدن ، ويشهد لذلك ـ مضافا إلى ما نجده من الفرق بينهما بالعلم الحضوري بالروح دون البدن ورؤية بعض الأرواح في بعض المنافات الصادقة بعد موت الأشخاص وغير ذلك ـ قوله تعالى في القرآن الكريم : ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾ (١) ، ولا يختصّ ذلك بالشهداء ، لقوله تعالى في آل فرعون : ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ﴾ (٢) ، لصراحة الآية الكريمة على بقاء آل فرعون إلى يوم القيامة وعذابهم صباحا ومساء فالشهداء والكفّار لا يفنون بفناء أبدانهم ، بل كلّ من يموت لا يفنى ، بل هو باق بنصّ قوله تعالى : ﴿حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (٣) ؛ لصراحة ﴿ارْجِعُونِ﴾ في أنّهم رحلوا عن الدنيا ودخلوا في النشأة الاخرى ، وهي البرزخ ، فمع موت الأبدان والرحلة عن الدنيا تكون الأرواح باقية في البرزخ ولهم مطلوبات وتمنّيات ومكالمات ومخاطبات ، وأيضا تبقى كلّ نفس بنصّ قوله تعالى أيضا : ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ (٤) ؛ إذ المراد من التوفّي : هو الأخذ ، والمأخوذ هو شيء غير البدن أخذه الملك وحفظه وأرجعه إلى ربّه.
قال بعض المحققين : «هذه الآية دلّت على أنّ في الإنسان شيئا آخر غير البدن يأخذه ملك الموت وعلى أنّ الروح تبقى بعد الموت ، وعلى أنّ حقيقة الإنسان وشخصيته بذلك الروح الذي يكون عند ملك الموت» (٥) والأصرح من هذه الآية قوله تعالى : ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها
__________________
(١) البقرة : ١٥٤.
(٢) غافر : ٤٦.
(٣) المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠.
(٤) السجدة : ١١.
(٥) راجع معارف القرآن : جلسة ٥٠ ص ٤٣٢.