بلادهم وإن لم يكن مقارنا بالخوف والضرر الفعلي ، ولكن ينجرّ غالبا إلى حصول المباينة الموجبة للتضرر منهم ، وعليه فيشمل التقيّة المداراتية أيضا ، وكيف كان فما دلّ على التقية المداراتية ، خبر هشام الكندي قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : «إيّاكم أن تعملوا عملا نعيّر به ، فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله ، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا ولا تكونوا عليه شينا ، صلّوا في عشائرهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير ، فأنتم أولى به منهم ، والله ما عبد الله بشيء أحبّ إليه من الخباء قلت :

وما الخباء؟ قال التقيّة» (١) ؛ إذ الظاهر منها الترغيب إلى العمل موافقا لآرائهم ، وإلى الاتيان بالصلاة مع عشائرهم ، وكذا غيرها من الخيرات ، ومن المعلوم أنّ العمل معهم موافقا لهم مستلزم لترك بعض الأجزاء والشرائط ، وليس ذلك إلّا للتقية المداراتية.

ثم إنّ التقية محكومة بالأحكام الخمسة قال الشيخ الأعظم الأنصاري ـ قدس‌سره ـ : «أمّا الكلام في حكمها التكليفي فهو أنّ التقية تنقسم إلى الأحكام الخمسة ، فالواجب منها : ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا وأمثلته كثيرة.

والمستحب : ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر ، بأن يكون تركه مفضيا تدريجا إلى حصول الضرر كترك المداراة مع العامّة وهجرهم في المعاشرة في بلادهم ، فإنّه ينجرّ غالبا إلى حصول المباينة الموجبة لتضرره منهم.

والمباح : ما كان التحرز عن الضرر وفعله مساويا في نظر الشارع ، كالتقيّة في إظهار كلمة الكفر على ما ذكره جمع من الأصحاب ويدلّ عليه الخبر الوارد في رجلين اخذا بالكوفة وامرا بسبّ أمير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١) الوسائل : ج ١١ ص ٤٧١ ح ٢.

۲۸۱۱