هذا الجزء من العالم أو ذاك ؛ لأنّ رسالته التي ادّخر لها من قبل الله سبحانه وتعالى ، هي تغيير العالم تغييرا شاملا واخراج البشرية كلّ البشرية من ظلمات الجور إلى نور العدل ، وعملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرّد وصول الرسالة والقائد الصالح ، وإلّا لتمّت شروطها في عصر النبوّة بالذات ، وإنّما تتطلب مناخا عالميا مناسبا وجوّا عامّا مساعدا يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.

فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملا أساسيا في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة ، وهذا الشعور بالنفاد يتكون ويترسّخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلا بسلبيات ما بنى مدركا حاجته إلى العون ملتفتا بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول» (١).

هنا سؤال وهو : إنّا نسلم أنّ القيام بالعدل العالمي يتوقف على قبول الناس لذلك وقبولهم يرتبط بشعور حاجتهم إلى الاستمداد من الغيب ، ولكن ذلك لا يوجّه غيبته عن الناس ، لإمكان أن يعيش بينهم ، ويصبر حتّى يجد الظرف الصالح لإقامة العدل الإلهي.

والجواب عنه : أنّ الإمام ـ عليه‌السلام ـ إن ظهر قبل الموعد فإن اتقى عن حكومة الجور فهو لا يناسبه ، وإن لم يتق فهم قتلوه ، فالغيبة مانعة عن قتله ، وهذا أمر تدلّ عليه الأخبار :

منها : ما عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : لا بدّ للغلام من غيبة ، فقيل له : ولم يا رسول الله؟ قال : يخاف القتل» (٢).

__________________

(١) بحث حول المهدي : ص ٧٩ ـ ٨٠.

(٢) بحار الانوار : ج ٥٢ ص ٩٠.

۲۸۱۱