درس اصول الفقه (۲) مباحث حجت واصول عملیه

جلسه ۶۰: مباحث حجت ۴۲

جواد مروی
استاد
جواد مروی
 
۱

متاسفانه صوت این جلسه موجود نیست

الدليل من الآيات القرآنيّة

منها : قوله (تعالى) : ﴿فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (١) ، بناء على تفسير الاعتبار بالعبور والمجاوزة ، والقياس عبور ومجاوزة من الأصل إلى الفرع. (٢)

وفيه (٣) : أنّ الاعتبار هو الاتّعاظ لغة ، وهو الأنسب بمعنى الآية الواردة في الذين كفروا من أهل الكتاب ، إذ قذف الله (تعالى) في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. وأين هي من القياس الذي نحن فيه؟

وقال ابن حزم في كتابه «إبطال القياس» : «ومن المحال أن يقول لنا : فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ويريد القياس ، ثمّ لا يبيّن لنا في القرآن ولا في الحديث : أيّ شيء نقيس؟ ولا متى نقيس؟ ولا على أيّ شيء نقيس؟ ولو وجدنا ذلك لوجب أن نقيس ما أمرنا بقياسه حيث أمرنا ، وحرم علينا أن نقيس ما لا نصّ فيه جملة ، ولا نتعدّى حدوده». (٤)

ومنها : قوله (تعالى) : ﴿قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ (٥) ، باعتبار أنّ الآية تدلّ على مساواة النظير للنظير ، بل هي استدلال بالقياس لإفحام من ينكر إحياء العظام وهي رميم. ولو لا أنّ القياس حجّة لما صحّ الاستدلال فيها (٦).

__________________

(١) الحشر (٥٩) الآية : ٢.

(٢) استدلّ بها في نهاية السئول ٤ : ١١ ، وإرشاد الفحول : ٢٠٠.

(٣) كما في العدّة ٢ : ٦٧٣ ـ ٦٧٤. واعترف به ابن الحاجب في منتهى الوصول والأمل : ١٩٠.

وقال ابن حزم : «ومعنى الاعتبار في اللغة والقرآن : التعجّب. قال الله (تعالى) : ﴿لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ * أي : عجب. ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ** أي : لعجبا ؛ لا قياسا». ملخّص إبطال القياس : ٢٨.

(٤) ملخّص إبطال القياس : ٣٠.

(٥) يس (٣٦) الآية : ٧٨ ـ ٧٩.

(٦) هذا الدليل تعرّض له وللإجابة عليه الشوكاني في إرشاد الفحول : ٢٠٢ ، وابن حزم في إبطال القياس : ٢٣ و ٢٨.

__________________

* يوسف (١٢) الآية : ١١١.

** النحل (١٦) الآية : ٦٦.

وفيه : أنّ الآية لا تدلّ على هذه المساواة بين النظيرين ، كنظيرين في أيّة جهة كانت ، كما أنّها ليست استدلالا بالقياس ، وإنّما جاءت لرفع استغراب المنكرين للبعث ؛ إذ يتخيّلون العجز عن إحياء الرميم ، فأرادت الآية أن تثبت الملازمة بين القدرة على إنشاء العظام ، وإيجادها لأوّل مرّة ، بلا سابق وجود ، وبين القدرة على إحيائها من جديد ، بل القدرة على الثاني أولى ، وإذا ثبتت الملازمة والمفروض أنّ الملزوم ـ وهو القدرة على إنشائها أوّل مرّة ـ موجود مسلّم ، فلا بدّ أن يثبت اللازم ـ وهو القدرة على إحيائها ، وهي رميم ـ. وأين هذا من القياس؟

ولو صحّ أن يراد من الآية القياس فهو نوع من قياس الأولويّة المقطوعة ، وأين هذا من قياس المساواة المطلوب إثبات حجّيّته ، وهو الذي يبتني على ظنّ المساواة في العلّة؟

وقد استدلّوا بآيات أخر ، مثل قوله (تعالى) : ﴿فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (١) ، ﴿يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (٢). والتشبّث بمثل هذه الآيات لا يعدو أن يكون من باب تشبّث الغريق بالطحلب (٣) ، كما يقولون.

الدليل من السنّة

رووا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث لتصحيح القياس ، لا تنهض حجّة لهم. ولا بأس أن نذكر بعضها كنموذج عنها ، فنقول :

__________________

(١) المائدة (٥) الآية : ٩٥.

وهذا ما استدلّ به الشافعي على ما في إرشاد الفحول. وتقريره : أنّ الله (تعالى) أوجب المثل ولم يقل أيّ مثل ، فوكل ذلك إلى اجتهادنا.

وأجاب عنه الشوكاني في إرشاد الفحول : ٢٠١.

(٢) النحل (١٦) الآية : ٩٠.

وهذا الاستدلال نسبه الشوكاني إلى ابن تيميّة ؛ وتقريره : أنّ العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين المثلين في الحكم ، فتتناوله الآية. راجع إرشاد الفحول : ٢٠٢.

(٣) الطحلب والطحلب والطحلب : خضرة تعلو الماء المزمن. وقيل : هو الذي يكون على الماء كأنّه نسج العنكبوت ، لسان العرب ١ : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.

واستدلّوا أيضا بآيات أخر ، ذكرها ابن حزم ، وأجاب عنها. راجع ملخّص إبطال القياس : ٢٣ ـ ٢٤ و ٢٩ ـ ٣٣.

منها : الحديث المأثور عن معاذ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه قاضيا إلى اليمن ، وقال له فيما قال : «بما ذا تقضي إذا لم تجد في كتاب الله ، ولا في سنّة رسول الله؟» قال معاذ : أجتهد رأيي ، ولا آلوا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله». (١)

قالوا : قد أقرّ النبيّ الاجتهاد بالرأي. واجتهاد الرأي لا بدّ من ردّه إلى أصل ، وإلاّ كان رأيا مرسلا ، والرأي المرسل غير معتبر. فانحصر الأمر بالقياس.

والجواب : أنّ الحديث مرسل لا حجّية فيه ؛ لأنّ راويه هو الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة ، رواه عن أناس من أهل حمص.

ثمّ الحارث هذا نفسه مجهول لا يدري أحد من هو؟ ولا يعرف له غير هذا الحديث.

ثمّ إنّ الحديث معارض بحديث آخر في نفس الواقعة ؛ إذ جاء فيه : «لا تقضينّ ، ولا تفضّلنّ إلاّ بما تعلم. وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تتبيّنه ، أو تكتب إليّ». فأجدر بذلك الحديث أن يكون موضوعا على الحارث ، أو منه.

مضافا إلى أنّه لا حصر فيما ذكروا ، فقد يراد من الاجتهاد بالرأي استفراغ الوسع في الفحص عن الحكم ، ولو بالرجوع إلى العمومات ، أو الأصول. ولعلّه يشير إلى ذلك قوله : «ولا آلو».

ومنها : حديث الخثعميّة التي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قضاء الحجّ عن أبيها الذي فاتته فريضة الحجّ : أينفعه ذلك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟» قالت : نعم. قال : «فدين الله أحقّ بالقضاء» (٢).

قالوا : فألحق الرسول دين الله بدين الآدميّ في وجوب القضاء ، وهو عين القياس. (٣)

والجواب : أنّه لا معنى للقول بأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أجرى القياس في حكمه بقضاء الحجّ ، وهو المشرّع المتلقّي الأحكام من الله (تعالى) بالوحي ، فهل كان لا يعلم بحكم قضاء الحجّ ،

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٦٠.

واستدلّ به في نهاية السئول ٤ : ١٦. وتعرّض له وللإجابة عليه الشوكانيّ في إرشاد الفحول : ٢٠٢.

(٢) كنز العمال ٥ : ١٢٣.

(٣) هذا الدليل أيضا تعرّض له وللإجابة عليه الشوكانيّ في إرشاد الفحول : ٢٠٣.

فاحتاج [إلى] أن يستدلّ عليه بالقياس؟ ما لكم كيف تحكمون؟!

وإنّما المقصود من الحديث ـ على تقدير صحّته ـ تنبيه الخثعميّة على تطبيق العامّ على ما سألت عنه ، وهو ـ أعني العامّ ـ وجوب قضاء كلّ دين ؛ إذ خفي عليها أنّ الحجّ ممّا يعدّ من الديون التي يجب قضاؤها عن الميّت ، وهو أولى بالقضاء ؛ لأنّه دين الله (تعالى).

ولا شكّ في أنّ تطبيق العامّ على مصاديقه المعلومة لا يحتاج إلى تشريع جديد ، غير تشريع نفس العامّ ؛ لأنّ الانطباق قهريّ. وليس هو من نوع القياس.

ولا ينقضي العجب ممّن يذهب إلى عدم وجوب قضاء الحجّ ، ولا الصوم ، كالحنفيّة (١) ، ويقول : «دين الناس أحقّ بالقضاء» ، ثمّ يستدلّ بهذا الحديث على حجّيّة القياس!

ومنها : حديث بيع الرطب بالتمر ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل : «أينقص الرطب إذا يبس؟» فلمّا أجيب بـ «نعم» ، قال : «فلا ، إذن». (٢)

والجواب أنّ هذا الحديث ـ على تقدير صحّته ـ يشبه حديث الخثعميّة ؛ فإنّ المقصود منه التنبيه على تطبيق العامّ على أحد مصاديقه الخفيّة ، وليس هو من القياس في شيء.

وكذلك يقال في أكثر الأحاديث المرويّة في الباب. (٣)

على أنّها بجملتها معارضة بأحاديث أخر ، يفهم منها النهي عن الأخذ بالرأي ، من دون الرجوع إلى الكتاب ، والسنّة. (٤)

الدليل من الإجماع

والإجماع هو أهمّ دليل عندهم ، وعليه معوّلهم في هذه المسألة. والغرض منه إجماع الصحابة.

__________________

(١) راجع : تبيين الحقائق (للزيلعي) ١ : ٣٣٤.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٣٨ ؛ سنن البيهقي ٥ : ٢٩٤.

(٣) تعرّض لها ابن حزم في ملخّص إبطال القياس : ٢٥ ـ ٢٧.

(٤) إن شئت فراجع : الأصول من الكافي ١ : ٥٤ ـ ٥٨ ؛ بحار الأنوار ٢ : ٢٨٣ ـ ٣١٦ ؛ وسائل الشيعة ١٨ : ٢١ ـ ٤٠ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.