حيث هو جهل بالعوض ، ليسري الحكم إلى كلّ معاوضة ، حتى في مثل الصلح المعاوضي ، والنكاح باعتبار أنّه يتضمّن معنى المعاوضة عن البضع.
٥. احتمال أن تكون العلّة الحقيقيّة لحكم المقيس عليه غير موجودة ، أو غير متوفّرة بخصوصيّاتها في المقيس.
وكلّ هذه الاحتمالات لا بدّ من دفعها ، ليحصل لنا العلم بالنتيجة ، ولا يدفعها إلاّ الأدلّة السمعيّة الواردة عن الشارع.
وقيل : «من الممكن تحصيل العلم بالعلّة بطريق برهان السبر والتقسيم». (١) وبرهان السبر والتقسيم عبارة عن عدّ جميع الاحتمالات الممكنة ، ثمّ يقام الدليل على نفي واحد واحد ، حتى ينحصر الأمر في واحد منها ، فيتعيّن ، فيقال مثلا : حرمة الربا في البرّ : إمّا أن تكون معلّلة بالطعم ، أو بالقوت ، أو بالكيل. والكلّ باطل ما عدا الكيل. فيتعيّن التعليل به.
أقول : من شرط برهان السبر والتقسيم ليكون برهانا حقيقيّا ، أن تحصر المحتملات حصرا عقليّا من طريق القسمة الثنائيّة التي تتردّد بين النفي والإثبات. (٢)
وما يذكر ـ من الاحتمالات في تعليل الحكم الشرعيّ ـ لا تعدو أن تكون احتمالات استطاع القائس أن يحتملها ولم يحتمل غيرها ، لا أنّها مبنيّة على الحصر العقليّ المردّد بين النفي والإثبات.
وإذا كان الأمر كذلك فكلّ ما يفرضه من الاحتمالات يجوز أن يكون وراءها احتمالات لم يتصوّرها أصلا. ومن الاحتمالات أن تكون العلّة اجتماع محتملين ، أو أكثر ممّا احتمله القائس. ومن الاحتمالات أن يكون ملاك الحكم شيئا آخر ، خارجا عن أوصاف المقيس عليه لا يمكن أن يهتدى إليه القائس ، مثل التعليل في قوله (تعالى) : ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ (٣) ؛ فإنّ الظاهر من الآية أنّ العلّة في
__________________
(١) هذا أحد المسالك التي ذكرها القائلون بحجّيّة القياس لإثبات العلّة. فراجع إرشاد الفحول : ٢١٣ ، وأصول الفقه (للخضري بك) : ٣٢٦ ، ونهاية السئول ٤ : ١٢٨ ، والمستصفى ٢ : ٢٩٥.
(٢) راجع المنطق (للمؤلّف) ١ : ١١١.
(٣) النساء (٤) الآية : ١٦٠.