بالمعنى لا يحرز فيه نصّ ألفاظ المعصوم ، وتعبيره ، ولا مراداته. ولا يحرز في أكثرها أنّ النقل كان لنصّ الألفاظ.
وأمّا : ما ورد من النهي عن التفسير بالرأي ـ مثل النبوي المشهور : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار» (١) ـ ، فالجواب عنه أنّ التفسير غير الأخذ بالظاهر ، والأخذ بالظاهر لا يسمّى تفسيرا ، على أنّ مقتضى الجمع بينها وبين تلك الأخبار المجوّزة للأخذ بالكتاب والرجوع إليه حمل التفسير بالرأي ـ إذا سلّمنا أنّه يشمل الأخذ بالظاهر ـ على معنى التسرّع بالأخذ به بالاجتهادات الشخصيّة ، من دون فحص ، ومن دون سابقة معرفة وتأمّل ودراسة ، كما يعطيه التعليل في بعضها ، بأنّ فيه ناسخا ومنسوخا ، وعامّا وخاصّا. مع أنّه في الكتاب العزيز من المقاصد العالية ما لا ينالها إلاّ أهل الذكر ، وفيه ما يقصر عن الوصول إلى إدراكه أكثر الناس ، ولا يزال ينكشف له من الأسرار ما كان خافيا على المفسّرين كلّما تقدّمت العلوم والمعارف ممّا يوجب الدهشة ، (٢) ويحقّق إعجازه من هذه الناحية.
والتحقيق أنّ في الكتاب العزيز جهات كثيرة من الظهور تختلف ظهورا وخفاء ، وليست ظواهره من هذه الناحية على نسق واحد بالنسبة إلى أكثر الناس ، وكذلك كلّ كلام ، ولا يخرج الكلام بذلك عن كونه ظاهرا يصلح للاحتجاج به عند أهله ، بل قد تكون الآية الواحدة لها ظهور من جهة لا يخفى على كلّ أحد ، وظهور آخر يحتاج إلى تأمّل وبصيرة ، فيخفى على كثير من الناس.
ولنضرب لذلك مثلا ، قوله (تعالى) : ﴿إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ﴾ (٣) ، فإنّ هذه الآية الكريمة ظاهرة في أنّ الله (تعالى) قد أنعم على نبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله بإعطائه الكوثر. وهذا الظهور بهذا المقدار لا شكّ فيه لكلّ أحد. ولكن ليس كلّ الناس فهموا المراد من «الكوثر». فقيل : «المراد به نهر في الجنّة». وقيل : «المراد القرآن والنبوّة». وقيل : «المراد به ابنته
__________________
(١) لم أعثر عليه بالعبارة المذكورة ، ولكن ورد في البحار : «من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار». بحار الأنوار ٩٢ : ١١.
(٢) أي : التحيّر.
(٣) الكوثر (١٠٨) الآية : ١.