لا تكون حجّة على مجتهد آخر ، ولا يجوز التعويل عليها. وهذا معنى ما ذهبوا إليه من عدم جواز التقليد ، أي بالنسبة إلى من يتمكّن من الاستنباط.
والحقّ أنّه لا دليل على حجّيّة الظنّ الناشئ من الشهرة ، مهما بلغ من القوّة ، وإن كان من المسلّم به أنّ الخبر الذي عمل به المشهور حجّة ولو كان ضعيفا من ناحية السند ، كما سيأتي بيانه في محلّه. (١) وقد ذكروا لحجّيّة الشهرة جملة من الأدلّة ، كلّها مردودة :
الدليل الأوّل : أولويّتها من خبر العادل
قيل : «إنّ أدلّة حجّيّة خبر الواحد تدلّ على حجّيّة الشهرة بمفهوم الموافقة ؛ نظرا إلى أنّ الظنّ الحاصل من الشهرة أقوى غالبا من الظنّ الحاصل من خبر الواحد ، حتى العادل ، فالشهرة أولى بالحجّيّة من خبر العادل». (٢)
والجواب أنّ هذا المفهوم إنّما يتمّ إذا أحرزنا على نحو اليقين أنّ العلّة في حجّيّة خبر العادل هي إفادته الظنّ ، ليكون ما هو أقوى ظنّا أولى بالحجّيّة. ولكن هذا غير ثابت في وجه حجّيّة خبر الواحد إذا لم يكن الثابت عدم اعتبار الظنّ الفعليّ.
الدليل الثاني : عموم تعليل آية النبأ
وقيل : «إنّ عموم التعليل في آية النبأ ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ﴾ (٣) يدلّ على اعتبار مثل الشهرة ؛ لأنّ الذي يفهم من التعليل أنّ الإصابة من الجهالة هي المانعة من قبول خبر الفاسق بلا تبيّن ، فيدلّ على أنّ كلّ ما يؤمن معه من الإصابة بجهالة فهو حجّة يجب الأخذ به. والشهرة كذلك».
والجواب أنّ هذا ليس تمسّكا بعموم التعليل ـ على تقدير تسليم أنّ هذه الفقرة من الآية واردة مورد التعليل ، وقد تقدّم بيان ذلك في أدلّة حجّيّة خبر الواحد (٤) ـ ، بل هذا
__________________
(١) يأتي في الصفحة : ٥٨٤.
(٢) انتهى ملخّص ما استدلّ به الشهيد على حجيّة الشهرة في الذكرى ١ : ٥٢ ، ومسالك الأفهام ٢ : ٢٢٧.
(٣) الحجرات (٤٩) الآية : ٦.
(٤) تقدّم في الصفحة : ٤٣٠.