هذا الشخص أيضا حيث إنّ دليل اعتبارها دلّ على أنّ الشارع إنّما اعتبرها حجّة ورضي بها طريقا ؛ لأنّ من شأنها أن تفيد الظنّ ، وإن لم يحصل الظنّ الفعليّ منها لدى بعض الأشخاص.
ثمّ لا يخفى عليك أنّا قد نعبّر فيما يأتي تبعا للأصوليّين فنقول : «الظنّ الخاصّ» ، أو «الظنّ المعتبر» ، أو «الظنّ الحجّة» ، وأمثال هذه التعبيرات ، والمقصود منها دائما سبب الظنّ ـ أعني الأمارة المعتبرة وإن لم تفد ظنّا فعليّا ـ ، فلا يشتبه عليك الحال.
٥. الأمارة والأصل العمليّ
واصطلاح الأمارة لا يشمل «الأصل العمليّ» ، كالبراءة ، والاحتياط ، والتخيير ، والاستصحاب ، بل هذه الأصول تقع في جانب والأمارة في جانب آخر مقابل له ، فإنّ المكلّف إنّما يرجع إلى الأصول إذا افتقد الأمارة ، أي إذا لم تقم عنده الحجّة على الحكم الشرعيّ الواقعيّ على ما سيأتي توضيحه ، وبيان السرّ فيه. (١)
ولا ينافي ذلك أنّ هذه الأصول أيضا قد يطلق عليها أنّها حجّة ، فإنّ إطلاق الحجّة عليها ليس بمعنى الحجّة في باب الأمارات ، بل بالمعنى اللغويّ باعتبار أنّها معذّرة للمكلّف إذا عمل بها وأخطأ الواقع ، ويحتجّ بها المولى على المكلّف إذا خالفها ولم يعمل بها ففوّت الواقع المطلوب ؛ ولأجل هذا جعلنا باب «الأصول العمليّة» بابا آخر مقابل باب «مباحث الحجّة».
وقد أشير في تعريف «الأمارة» إلى خروج الأصول العمليّة بقولهم : «يثبت متعلّقه» ؛ لأنّ الأصول العمليّة لا تثبت متعلّقاتها ؛ لأنّه ليس لسانها لسان إثبات الواقع والحكاية عنه ، وإنّما هي في حقيقتها مرجع للمكلّف في مقام العمل عند الحيرة والشكّ في الواقع ، وعدم ثبوت حجّة عليه. وغاية شأنها أنّها تكون معذّرة للمكلّف.
ومن هنا اختلفوا في الاستصحاب ، هل إنّه أمارة أو أصل؟ باعتبار أنّ له شأن الحكاية عن الواقع ، وإحرازه في الجملة ؛ لأنّ اليقين السابق غالبا ما يورث الظنّ ببقاء المتيقّن في
__________________
(١) يأتي في المقصد الرابع : ٥٩٧ ـ ٥٩٨.