٣. مدلول كلمة «الأمارة» و «الظنّ المعتبر»
بعد أن قلنا : إنّ الأمارة مرادفة لكلمة «الحجّة» باصطلاح الأصوليّين ، ينبغي أن ننقل الكلام إلى كلمة «الأمارة» لنتسقّط بعض استعمالاتها ، كما سنستعملها بدل كلمة «الحجّة» في المباحث الآتية ، فنقول :
إنّه كثيرا ما يجري على ألسنة الأصوليّين إطلاق كلمة «الأمارة» على معنى ما تؤدّيه كلمة «الظنّ» ، ويقصدون من الظنّ «الظنّ المعتبر» ، أي الذي اعتبره الشارع ، وجعله حجّة ، ويوهم ذلك أنّ الأمارة والظنّ المعتبر لفظان مترادفان يؤدّيان معنى واحدا ، مع أنّهما ليسا كذلك.
وفي الحقيقة أنّ هذا تسامح في التعبير منهم على نحو المجاز في الاستعمال ، لا أنّه وضع آخر لكلمة «الأمارة». وإنّما مدلول الأمارة الحقيقي (١) هو كلّ شيء اعتبره الشارع لأجل أنّه يكون سببا للظنّ ، كخبر الواحد والظواهر.
والمجاز هنا إمّا من جهة إطلاق السبب على مسبّبه فيسمّى الظنّ المسبّب «أمارة» ؛ وإمّا من جهة إطلاق المسبّب على سببه فتسمّى الأمارة ـ التي هي سبب للظنّ ـ : «ظنّا» ، فيقولون : «الظنّ المعتبر» ، و «الظنّ الخاصّ» ، والاعتبار والخصوصيّة إنّما هما لسبب الظنّ.
ومنشأ هذا التسامح في الإطلاق هو أنّ السرّ في اعتبار الأمارة وجعلها حجّة وطريقا هو إفادتها للظنّ دائما أو على الأغلب ، ويقولون للثاني ـ الذي يفيد الظنّ على الأغلب ـ : «الظنّ النوعيّ» على ما سيأتي بيانه.
٤. الظنّ النوعيّ
ومعنى «الظنّ النوعيّ» : أنّ الأمارة تكون من شأنها أن تفيد الظنّ عند غالب الناس ونوعهم. واعتبارها عند الشارع إنّما يكون من هذه الجهة ، فلا يضرّ في اعتبارها وحجيّتها ألاّ يحصل منها ظنّ فعليّ للشخص الذي قامت عنده الأمارة ، بل تكون حجّة عند
__________________
(١) أي إنّما المدلول الحقيقي لكلمة «الأمارة» هو ....