[الوجه في اعتبار مثبتات الأمارات دون الاصول]
ثمّ لا يخفى وضوح الفرق بين الاستصحاب وسائر الاصول التعبّديّة وبين الطرق والأمارات ، فإنّ الطريق والأمارة حيث إنّه كما يحكي عن المؤدّى ويشير إليه كذا يحكي عن أطرافه ـ من ملزومه ولوازمه وملازماته ـ ويشير إليها ، كان مقتضى إطلاق دليل اعتبارها لزوم تصديقها في حكايتها ، وقضيّته (١) حجّيّة المثبت منها كما لا يخفى ؛ بخلاف مثل دليل الاستصحاب ، فإنّه لا بدّ من الاقتصار بما فيه من الدلالة على التعبّد بثبوته ، ولا دلالة له إلّا على التعبّد بثبوت المشكوك بلحاظ أثره حسبما عرفت ، فلا دلالة له على اعتبار المثبت منه كسائر الاصول التعبّديّة إلّا فيما عدّ أثر الواسطة أثرا له ، لخفائها أو لشدّة وضوحها وجلائها حسبما
__________________
ـ كان المراد من خفاء الواسطة أنّ العرف يستظهر من الأدلّة أنّ الحكم الشرعيّ ثابت لذي الواسطة وتكون الواسطة من علل ثبوت الحكم لذيها فهو يرجع إلى ثبوت الحكم لذي الواسطة حقيقة. وإن كان المراد منه أنّ الحكم الشرعيّ ثابت للواسطة حقيقة لكن لخفائها يرون العرف أنّه حكم ذيها من باب التسامح في التطبيق فهو ممّا لا عبرة. فوائد الاصول ٤ : ٤٩٤ ، أجود التقريرات ٢ : ٤١٩.
وأمّا المحقّق الاصفهانيّ : فأورد على الموردين الأخيرين اللذين زادهما المصنّف قدسسره. وحاصله : أنّ دعوى حجّيّة الأصل المثبت في الموردين صحيحة من حيث الكبرى ، فإنّه لو ثبتت الملازمة في التعبّد في مورد فلا إشكال في الأخذ بها ، إلّا أنّ الإشكال في صغرى ما أفاده ، لعدم ثبوت هذه الملازمة في مورد من الموارد. أمّا مورد العلّة والمعلول ومورد المتضائفين فهما خارجان عن محلّ الكلام ، لأنّ اليقين بحدوث العلّة التامّة يستلزم اليقين بالمعلول ، فيكون كلّ من العلّة والمعلول مجرى الاستصحاب مستقلّا ؛ وهكذا المتضائفان ، لأنّهما متكافئان ، فاليقين بالابوّة يستلزم اليقين بالبنوّة ، فيكون كلاهما مجرى الاستصحاب. نهاية الدراية ٣ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
وتبعهما السيّد المحقّق الخوئيّ ، فأورد على استثناء الموارد الثلاثة بما أورد المحقّقان النائينيّ والأصفهانيّ. فراجع موسوعة الإمام الخوئيّ (مصباح الاصول) ٤٨ : ١٩٠ ـ ١٩٣.
(١) أي : مقتضى لزوم تصديق الأمارات في حكايتها عن أطرافه من الملزوم واللازم والملازم.