درس اصول الفقه (۱) مباحث الفاظ وملازمات عقلیه

جلسه ۷۱: صیغه امر ۱۰

 
۱

صوت این جلسه موجود نیست

بالكلام عامّا مع تخصيص الأكثر وإخراجه من العموم بعد ذلك قبيح في المحاورات العرفيّة ، ويعدّ الكلام عند العرف مستهجنا. فهل ترى يصحّ لعارف بأساليب الكلام أن يقول مثلا : «بعت أموالي» ثمّ يستثني واحدا فواحدا حتّى لا يبقى تحت العامّ إلاّ القليل؟! لا شكّ في أنّ هذا الكلام يعدّ مستهجنا ، لا يصدر عن حكيم عارف.

إذن ، لا يبقى مناص عن حمل الآيتين على الاستحباب.

٨. المرّة والتكرار (١)

واختلفوا أيضا في دلالة صيغة «افعل» على المرّة والتكرار على أقوال ، كاختلافهم في الفور والتراخي.

والمختار هنا كالمختار هناك ، والدليل نفس الدليل من عدم دلالة الصيغة لا بهيئتها ولا بمادّتها على المرّة ولا التكرار ؛ لما عرفت من أنّها لا تدلّ على أكثر من طلب نفس الطبيعة من حيث هي ، فلا بدّ من دالّ آخر على كلّ منهما.

أمّا الإطلاق فإنّه يقتضي الاكتفاء بالمرّة. وتفصيل ذلك أنّ مطلوب المولى لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة ـ ويختلف الحكم فيها من ناحية جواز الاكتفاء وجواز التكرار ـ :

١. أن يكون المطلوب صرف وجود الشيء بلا قيد ولا شرط ، بمعنى أنّه يريد ألاّ يبقى مطلوبه معدوما ، بل يخرج من ظلمة العدم إلى نور الوجود لا أكثر ، ولو بفرد واحد. ولا محالة ـ حينئذ ـ ينطبق المطلوب قهرا على أوّل وجوداته ، فلو أتى المكلّف بما أمر به أكثر من مرّة فالامتثال يكون بالوجود الأوّل ، ويكون الثاني لغوا محضا ، كالصلاة اليوميّة.

__________________

(١) المرّة والتكرار لهما معنيان : الأوّل : الدفعة والدفعات ، الثاني : الفرد والأفراد. والظاهر أنّ المراد منهما في محلّ النزاع هو المعنى الأوّل. والفرق بينهما أنّ الدفعة قد تتحقّق بفرد واحد من الطبيعة المطلوبة ، وقد تتحقّق بأفراد متعدّدة إذا جيء بها في زمان واحد. فلذلك تكون الدفعة أعمّ من الفرد مطلقا ، كما أنّ الأفراد أعمّ مطلقا من الدفعات ؛ لأنّ الأفراد ـ كما قلنا ـ قد تحصل دفعة واحدة وقد تحصل بدفعات. ـ منه رحمه‌الله ـ.

وأقول : اختلفوا في أنّه هل المراد من المرّة والتكرار هو الدفعة والدفعات أو الفرد والأفراد أو الأعمّ منهما؟ فذهب صاحب الفصول إلى الأوّل ونسب الثاني إلى بعض معاصريه. وذهب المحقّق الخراسانيّ إلى الثالث. فراجع الفصول الغرويّة : ٧١ ؛ كفاية الأصول : ١٠١.

٢. أن يكون المطلوب الوجود الواحد بقيد الواحدة ـ أي بشرط ألاّ يزيد على أوّل وجوداته ـ ، فلو أتى المكلّف حينئذ بالمأمور به مرّتين لا يحصل الامتثال أصلا ، كتكبيرة الإحرام للصلاة ؛ فإنّ الإتيان بالثانية عقيب الأولى مبطل للأولى ، وهي تقع باطلة.

٣. أن يكون المطلوب الوجود المتكرّر ، إمّا بشرط تكرّره فيكون المطلوب هو المجموع بما هو مجموع ، فلا يحصل الامتثال بالمرّة أصلا ، كركعات الصلاة الواحدة ، وإمّا لا بشرط تكرّره ـ بمعنى أنّه يكون المطلوب كلّ واحد من الوجودات ـ ، كصوم أيّام شهر رمضان ، فلكلّ مرّة امتثالها الخاصّ.

ولا شكّ أنّ الوجهين الأخيرين يحتاجان إلى بيان زائد على مفاد الصيغة. فلو أطلق المولى ولم يقيّد بأحد الوجهين ـ وهو في مقام البيان ـ كان إطلاقه دليلا على إرادة الوجه الأوّل. وعليه ، يحصل الامتثال ـ كما قلنا ـ بالوجود الأوّل ، ولكن لا يضرّ الوجود الثاني ، كما أنّه لا أثر له في الامتثال وغرض المولى.

وممّا ذكرنا يتّضح أنّ مقتضى الإطلاق جواز الإتيان بأفراد كثيرة معا دفعة واحدة ، ويحصل الامتثال بالجميع. فلو قال المولى : «تصدّق على مسكين» فمقتضى الإطلاق جواز الاكتفاء بالتصدّق مرّة واحدة على مسكين واحد ، وحصول الامتثال بالتصدّق على عدّة مساكين دفعة واحدة ، ويكون امتثالا واحدا بالجميع ؛ لصدق صرف الوجود على الجميع ؛ إذ الامتثال كما يحصل بالفرد الواحد يحصل بالأفراد المجتمعة الوجود.

٩. هل يدلّ نسخ الوجوب على الجواز؟

إذا وجب شيء في زمان بدلالة الأمر ثمّ نسخ ذلك الوجوب قطعا فقد اختلفوا في بقاء الجواز الذي كان مدلولا للأمر ؛ لأنّ الأمر كان يدلّ على جواز الفعل مع المنع من تركه ، فمنهم من قال ببقاء الجواز (١) ، ومنهم من قال بعدمه (٢).

__________________

(١) قال به المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ١ : ٣٨٩ ـ ٣٩١.

(٢) ذهب إليه المحقّق القميّ وصاحب الفصول ، فراجع قوانين الأصول ١ : ١٢٧ ، والفصول : ١١١. واختاره ـ