فلا دلالة لها ـ لا بهيئتها ولا بمادّتها ـ على الفور أو التراخي ؛ بل لا بدّ من دالّ آخر على شيء منهما ، فإن تجرّدت عن الدالّ الآخر ، فإنّ ذلك يقتضي جواز الإتيان بالمأمور به على الفور أو التراخي. هذا بالنظر إلى نفس الصيغة.
أمّا بالنظر إلى الدليل الخارجيّ المنفصل ، فقد قيل بوجود الدليل على الفور في جميع الواجبات على نحو العموم إلاّ ما دلّ عليه دليل خاصّ ينصّ على جواز التراخي فيه بالخصوص. وقد ذكروا لذلك آيتين :
الأولى : قوله (تعالى) : ﴿وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (١). وتقريب الاستدلال بها أنّ المسارعة إلى المغفرة لا تكون إلاّ بالمسارعة إلى سببها ، وهو الإتيان بالمأمور به ؛ لأنّ المغفرة فعل الله (تعالى) فلا معنى لمسارعة العبد إليها. وعليه فتكون المسارعة إلى فعل المأمور به واجبا ؛ لما مرّ من ظهور صيغة «افعل» في الوجوب (٢).
الثانية : قوله (تعالى) : ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (٣)﴾ فإنّ الاستباق بالخيرات عبارة أخرى عن الإتيان بها فورا.
والجواب (٤) عن الاستدلال بكلتا الآيتين أنّ الخيرات وسبب المغفرة كما تصدق على الواجبات تصدق على المستحبّات أيضا ، فتكون المسارعة والاستباق شاملين لما هما في المستحبّات أيضا. ومن البديهيّ عدم وجوب المسارعة فيها ، كيف وهي يجوز تركها رأسا. وإذا كانتا شاملتين للمستحبّات بعمومهما كان ذلك قرينة على أنّ طلب المسارعة ليس على نحو الإلزام ؛ فلا تبقى لهما دلالة على الفوريّة في عموم الواجبات.
بل لو سلّمنا باختصاصهما بالواجبات لوجب صرف ظهور صيغة «افعل» فيهما في الوجوب وحملها على الاستحباب ؛ نظرا إلى أنّا نعلم عدم وجوب الفوريّة في أكثر الواجبات ، فيلزم تخصيص الأكثر بإخراج أكثر الواجبات عن عمومها. ولا شكّ أنّ الإتيان
__________________
(١) آل عمران (٣) الآية : ١٣٣.
(٢) مرّ في الصفحة : ٨١ ـ ٨٣.
(٣) البقرة (٢) الآية : ١٤٨ ؛ المائدة (٥) الآية : ٤٨.
(٤) كما في كفاية الأصول : ١٠٣.