مسألة
يحرم النجش على المشهور، كما في الحدائق، بل عن المنتهي وجامع المقاصد: أنّه محرّم إجماعاً.
لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال: «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم: الواشمة (آرایش کننده) والمؤتشمة (آرایش شونده) والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم».
وفي النبوي المحكيّ عن معاني الأخبار: «لا تناجشوا ولا تدابروا (فحش ندهید)»، قال: ومعناه: أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها؛ ليسمع غيره فيزيد بزيادته، والناجش خائن، والتدابر: الهجران، انتهى كلام الصدوق.
والظاهر أنّ المراد بزيادة الناجش: مؤاطاة البائع المنجوش له.
مسألة إذا دفع إنسان إلى غيره مالاً ليصرفه في قَبيلٍ يكون المدفوع إليه منهم، ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال من دون الدافع ك: مال الإمام، أو ردّ المظالم المدفوع إلى الحاكم فله صور:
إحداها: أن تظهر قرينة على عدم جواز رضاه بالأخذ منه، كما إذا عيّن له منه مقداراً قبل الدفع أو بعده. ولا إشكال في عدم الجواز؛ لحرمة التصرّف في مال الناس على غير الوجه المأذون فيه.
الثانية: أن تظهر قرينة حاليّة أو مقاليّة على جواز أخذه منه مقداراً مساوياً لما يدفع إلى غيره أو أنقص أو أزيد. ولا إشكال في الجواز حينئذٍ.
إلاّ أنّه قد يشكل الأمر فيما لو اختلف مقدار المدفوع إلى الأصناف المختلفة، كأن عيّن للمجتهدين مقداراً، وللمشتغلين مقداراً، واعتقده الدافع بعنوان يخالف مُعْتَقَد المدفوع إليه.
والتحقيق هنا: مراعاة معتقد المدفوع إليه إن كان عنوان الصنف على وجه الموضوعيّة، كأن يقول: ادفع إلى كلّ مشتغل كذا وإلى كلّ مجتهد كذا، وخذ أنت ما يخصّك. وإن كان على وجه الداعي بأن كان عنوان الصنف داعياً إلى تعيين ذلك المقدار، كان المتّبع اعتقاد الدافع؛ لأنّ الداعي إنّما يتفرّع على الاعتقاد لا الواقع.
الثالثة: أن لا تقوم قرينة على أحد الأمرين، ويطلق المتكلّم. وقد اختلف فيه كلماتهم بل كلمات واحد منهم، فالمحكيّ عن وكالة المبسوط وزكاة السرائر ومكاسب النافع وكشف الرموز والمختلف والتذكرة وجامع المقاصد: تحريم الأخذ مطلقاً.
وعن النهاية ومكاسب السرائر والشرائع والتحرير والإرشاد والمسالك والكفاية: أنّه يجوز له الأخذ منه إن أطلق من دون زيادة على غيره. ونسبه في الدروس إلى الأكثر، وفي الحدائق إلى المشهور، وفي المسالك: هكذا شرط كلّ من سوّغ له الأخذ.
وعن نهاية الإحكام والتنقيح والمهذّب البارع والمقتصر: الاقتصار على نقل القولين.
وعن المهذّب البارع: حكاية التفصيل بالجواز إن كانت الصيغة بلفظ «ضعه فيهم» أو ما أدّى معناه، والمنع إن كانت بلفظ «ادفعه».
وعن التنقيح عن بعض الفضلاء: أنّه إن قال: «هو للفقراء» جاز، وإن قال: «أعطه للفقراء»، فإن علم فقره لم يجز؛ إذ لو أراده لخصّه، وإن لم يعلم جاز.
احتجّ القائل بالتحريم مضافاً إلى ظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم، المؤيّد بما قالوه فيمن وكّلته امرأة أن يزوّجها من شخصٍ فزوّجها من نفسه، أو وكّله في شراء شيءٍ فأعطاه من عنده بصحيحة ابن الحجّاج المسندة في التحرير إلى مولانا الصادق عليهالسلام وإن أُضمرت في غيره، قال: «سألته عن رجلٍ أعطاه رجلٌ مالاً ليصرفه في محاويج أو في مساكين، وهو يحتاج، أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه هو؟ قال: لا يأخذ شيئاً حتّى يأذن له صاحبه».
واحتجّ المجوّزون: بأنّ العنوان المدفوع إليه شامل له، والغرض الدفع إلى هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصيّة الغير، واللفظ وإن
سُلّم عدم شموله له لغةً، إلاّ أنّ المنساق عرفاً صرفه إلى كلّ من اتّصف بهذا العنوان، فالعنوان موضوع لجواز الدفع يحمل عليه الجواز.
نعم، لو كان المدفوع إليهم أشخاصاً خاصّة، وكان الداعي على الدفع اتّصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور. والرواية معارضة بروايات أُخر، مثل:
ما عن الكافي في الصحيح عن سعيد بن يسار، قال: «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام: الرجل يعطى الزكاة يقسّمها في أصحابه، أيأخذ منها شيئاً؟ قال: نعم».
وعن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم ـ : «في رجلٍ اعطي مالاً يفرّقه في من يحلّ له، أيأخذ منه شيئاً لنفسه وإن لم يسمّ له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيرَه».
وصحيحة ابن الحجّاج، قال: «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له الصدقة؟ قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه».