مسألة
إذا جنى العبد عمداً بما يوجب قتله أو استرقاق كلِّه أو بعضه، فالأقوى صحّة بيعه، وفاقاً للمحكيّ عن العلاّمة والشهيد والمحقّق الثاني وغيرهم، بل في شرح الصيمري: أنّه المشهور؛ لأنّه لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق (مجنی عنه حق دارد عبد را ملک خودش قرار بدهد) عن ملك مولاه، على ما هو المعروف عمّن عدا الشيخ في الخلاف كما سيجيء.
وتعلّق حقّ المجنيّ عليه به (عبد) لا يوجب خروج الملك عن قابليّة الانتفاع به. ومجرّد إمكان مطالبة أولياء المجنيّ عليه له (عبد) في كلّ وقتٍ بالاسترقاق أو القتل لا يسقط اعتبار ماليّته.
وعلى تقدير تسليمه، فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير، فيكون موقوفاً على افتكاكه عن القتل والاسترقاق، فإن افتكّ لزم، وإلاّ بطل البيع من أصله.
ويحتمل أن يكون البيع غير متزلزل، فيكون تلفه من المشتري في غير زمن الخيار؛ لوقوعه في ملكه، غاية الأمر أنّ كون المبيع عرضة لذلك عيب يوجب الخيار مع الجهل، كالمبيع الأرمد إذا عمي، والمريض إذا مات بمرضه.
ويردّه: أنّ المبيع إذا كان متعلّقاً لحقّ الغير فلا يقبل أن يقع لازماً؛ لأدائه إلى سقوط حقّ الغير، فلا بدّ إمّا أن يبطل وإمّا أن يقع مراعىً، وقد عرفت أنّ مقتضى عدم استقلال البائع في ماله ومدخليّة الغير فيه: وقوع بيعه مراعىً، لا باطلاً.
وبذلك يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين بيع المريض الذي يخاف عليه من الموت، والأرمد الذي يخاف عليه من العمى الموجب للانعتاق؛ فإنّ الخوف في المثالين لا يوجب نقصاناً في سلطنة المالك مانعاً عن نفوذ تمليكه منجّزاً، بخلاف تعلّق حقّ الغير. اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ
تعلّق حقّ المجنيّ عليه لا يمنع من نفوذ تمليكه منجّزاً؛ لأنّ للبائع سلطنة مطلقة عليه، وكذا للمشتري؛ ولذا يجوز التصرّف لهما فيه من دون مراجعة ذي الحقّ، غاية الأمر أنّ له التسلّط على إزالة ملكهما ورفعه بالإتلاف أو التمليك، وهذا لا يقتضي وقوع العقد مراعى وعدم استقرار الملك.
وبما ذكرنا ظهر الفرق بين حقّ المرتهن المانع من تصرّف الغير وحقّ المجنيّ عليه الغير المانع فعلاً، غاية الأمر أنّه رافع شأناً.
وكيف كان، فقد حكي عن الشيخ في الخلاف البطلان، فإنّه قال فيما حكي عنه: إذا كان لرجلٍ عبدٌ، فجنى، فباعه مولاه بغير إذن المجنيّ عليه، فإن كانت جنايته توجب القصاص فلا يصحّ البيع، وإن كانت جنايته توجب الأرش صحّ إذا التزم مولاه الأرش. ثمّ استدلّ بأنّه إذا وجب عليه القِوَد (قصاص) فلا يصحّ بيعه؛ لأنّه قد باع منه ما لا يملكه، فإنّه حقٌّ للمجنيّ عليه. وأمّا إذا وجب عليه الأرش صحّ؛ لأنّ رقبته سليمةٌ، والجناية أرشها فقد التزمه السيّد، فلا وجه يفسد البيع، انتهى.
وقد حكي عن المختلف: أنّه حكى عنه في كتاب الظهار: التصريح بعدم بقاء ملك المولى على الجاني عمداً، حيث قال: إذا كان عبدٌ قد جنى جنايةً فإنّه لا يجزئ عتقه عن الكفّارة، وإن كان خطأً جاز ذلك. واستدلّ (شیخ) بإجماع الفرقة، فإنّه لا خلاف بينهم أنّه إذا كانت جنايته عمداً ينتقل ملكه إلى المجنيّ عليه، وإن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه، انتهى.
وربما يستظهر ذلك من عبارة الإسكافيّ المحكيّة عنه في الرهن، وهي (محکیه): أنّ من شرط الرهن أن يكون الراهن مثبتاً لملكه إيّاه، غير خارجٍ بارتدادٍ أو استحقاق الرقبة بجنايته عن ملكه، انتهى.
وربما يستظهر البطلان من عبارة الشرائع أيضاً في كتاب القصاص، حيث قال: إنّه إذا قتل العبد حرّا عمداً فأعتقه مولاه صحّ، ولم يسقط القود، ولو قيل: لا يصحّ لئلاّ يبطل حقّ الولي من الاسترقاق، كان حسناً. وكذا بيعه وهبته، انتهى.
لكن يحتمل قويّاً أن يكون مراده بالصحّة: وقوعه لازماً غير متزلزل كوقوع العتق؛ لأنّه الذي يبطل به حقّ الاسترقاق، دون وقوعه مراعى بافتكاكه عن القتل والاسترقاق.
وكيف كان، فالظاهر من عبارة الخلاف الاستناد في عدم الصحّة إلى عدم الملك، وهو ممنوع؛ لأصالة بقاء ملكه (سید بر عبد)، ولظهور لفظ «الاسترقاق» في بعض الأخبار في بقاء الملك. نعم، في بعض الأخبار ما يدلّ على الخلاف.
ويمكن أن يكون مراد الشيخ بالملك السلطنة عليه؛ فإنّه ينتقل إلى المجنيّ عليه، ويكون عدم جواز بيعه من المولى مبنيّاً على المنع عن بيع الفضولي المستلزم للمنع عن بيع كلّ ما يتعلّق به حقّ الغير ينافيه السلطنة المطلقة من المشتري عليه، كما في الرهن.