درس بدایة الحکمة

جلسه ۱۷: جلسه هفدهم

 
۱

خطبه

۲

خلاصه بحث سابق

فهما متناقضان لا واسطة بينهما ، وهذه كلها أوهام يكفي في بطلانها قضاء الفطرة ، بأن العدم بطلان لا شيئية له.

الفصل العاشر

في أنه لا تمايز ولا علية في العدم

أما عدم التمايز فلأنه فرع الثبوت والشيئية ، ولا ثبوت ولا شيئية في العدم ، نعم ربما يتميز عدم من عدم ، بإضافة الوهم إياه إلى الملكات وأقسام الوجود ، فيتميز بذلك عدم من عدم ، كعدم البصر وعدم السمع وعدم زيد وعدم عمرو ، وأما العدم المطلق فلا تميز فيه.

وأما عدم العلية في العدم ، فلبطلانه وانتفاء شيئيته ، وقولهم عدم العلة علة لعدم المعلول ، قول على سبيل التقريب والمجاز (١) ، فقولهم مثلا لم يكن غيم فلم يكن مطر معناه بالحقيقة ، أنه لم يتحقق العلية التي بين وجود الغيم ووجود المطر ، وهذا كما قيل ، نظير إجراء أحكام القضايا الموجبة في السالبة ، فيقال سالبة حملية وسالبة شرطية ونحو ذلك ، وإنما فيها سلب الحمل وسلب الشرط.

__________________

(١) فإن قلت : فعلى هذا ، ما ذكرتم مثالا للقضية التي موضوعها المفهوم الاعتباري العقلي أيضا يكون على سبيل التقريب والمجاز.

قلت : إنما مثلنا بها للقضية النفس الأمرية ، وكون الحمل في القضية على التقريب والمجاز لا يخرجها عن الصدق ولا يلحقها بالكواذب ، وحقيقتها التي هي قولنا : " لم تتحقق العلية التي بينهما " قضية نفس الأمرية أيضا. – منه دام ظله ـ

الفصل الحادي عشر

في أن المعدوم المطلق لا خبر عنه

ويتبين ذلك بما تقدم (١) ، أنه بطلان محض لا شيئية له بوجه ، وإنما يخبر عن شيء بشيء.

وأما الشبهة بأن قولهم ، المعدوم المطلق لا يخبر عنه يناقض نفسه ، فإنه بعينه إخبار عنه بعدم الإخبار فهي مندفعة ، بما سيجيء في مباحث الوحدة والكثرة (٢) ، من أن من الحمل ما هو أولي ذاتي ، يتحد فيه الموضوع والمحمول مفهوما ، ويختلفان اعتبارا ، كقولنا الإنسان إنسان ، ومنه ما هو شائع صناعي ، يتحدان فيه وجودا ويختلفان مفهوما ، كقولنا الإنسان ضاحك ، والمعدوم المطلق ، معدوم مطلق بالحمل الأولي ولا يخبر عنه ، وليس بمعدوم مطلق بل موجود من الموجودات الذهنية ، بالحمل الشائع ، ولذا يخبر عنه بعدم الإخبار عنه فلا تناقض.

وبهذا التقريب يندفع الشبهة ، عن عدة قضايا توهم التناقض ، كقولنا الجزئي جزئي وهو بعينه كلي يصدق على كثيرين ، وقولنا شريك الباري ممتنع مع أنه معقول في الذهن ، فيكون موجودا فيه ممكنا ، وقولنا الشيء إما ثابت في الذهن أو لا ثابت فيه ، واللا ثابت في الذهن ثابت فيه لأنه معقول.

وجه الاندفاع أن الجزئي ، جزئي بالحمل الأولي كلي بالشائع ، وشريك الباري شريك الباري بالحمل الأولي ، وممكن مخلوق للباري

__________________

(١) الفصل التاسع

(٢) الفصل الثالث من المرحلة الثامنة.

بالشائع ، واللا ثابت في الذهن كذلك بالحمل الأولي ، وثابت فيه بالشائع.

الفصل الثاني عشر

في امتناع إعادة المعدوم بعينه

قالت الحكماء إن إعادة المعدوم بعينه ممتنعة ، وتبعهم فيه بعض المتكلمين وأكثرهم على الجواز.

وقد عد الشيخ ، امتناع إعادة المعدوم ضروريا ، وهو من الفطريات ، لقضاء الفطرة ببطلان شيئية المعدوم ، فلا يتصف بالإعادة.

والقائلون بنظرية المسألة احتجوا عليه بوجوه ، منها أنه لو جاز للمعدوم في زمان ، أن يعاد في زمان آخر بعينه ، لزم تخلل العدم بين الشيء ونفسه وهو محال ، لأنه حينئذ يكون موجودا بعينه ، في زمانين بينهما عدم متخلل.

حجة أخرى ، لو جازت إعادة الشيء بعينه بعد انعدامه ، جاز إيجاد ما يماثله من جميع الوجوه ، ابتداء واستئنافا وهو محال ، أما الملازمة فلأن ، حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد ، ومثل الشيء ابتداء ومعاده ثانيا لا فرق بينهما بوجه ، لأنهما يساويان الشيء المبتدأ من جميع الوجوه ، وأما استحالة اللازم ، فلاستلزام اجتماع المثلين في الوجود ، عدم التميز بينهما وهو وحدة الكثير ، من حيث هو كثير وهو محال.

حجة أخرى إن إعادة المعدوم ، توجب كون المعاد هو المبتدأ وهو محال ، لاستلزامه الانقلاب أو الخلف ، بيان الملازمة أن إعادة المعدوم بعينه ، يستلزم كون المعاد هو المبتدأ ذاتا ، وفي جميع الخصوصيات المشخصة حتى الزمان ،

فيعود المعاد عين المبتدأ وهو الانقلاب أو الخلف.

حجة أخرى لو جازت الإعادة لم يكن عدد العود ، بالغا معينا يقف عليه ، إذ لا فرق بين العودة الأولى والثانية ، وهكذا إلى ما لا نهاية له ، كما لم يكن فرق بين المعاد والمبتدإ ، وتعين العدد من لوازم وجود الشيء المتشخص.

احتج المجوزون بأنه لو امتنعت إعادة المعدوم ، لكان ذلك إما لماهيته وإما للازم ماهيته ، ولو كان كذلك لم يوجد ابتداء وهو ظاهر ، وإما لعارض مفارق فيزول الامتناع بزواله.

ورد بأن الامتناع لأمر لازم ، لكن لوجوده وهويته لا لماهيته ، كما هو ظاهر من الحجج المتقدمة.

وعمدة ما دعاهم إلى القول بجواز الإعادة ، زعمهم أن المعاد وهو مما نطقت به الشرائع الحقة ، من قبيل إعادة المعدوم.

ويرده أن الموت نوع استكمال لا انعدام وزوال.

__________________

(١) ولا مرجح لبعض تلك الأعداد ، فالحاصل حينئذ : أن التعين ، أي التشخص ، مما لا بد منه في الوجود ، لأن الشئ ما لم يتشخص لم يوجد ، مع أنه لا مرجح لتعين عدد خاص منها.

(٢) فإن قيل : هذا إنما يتم لو كان الموت استكمالا للروح والبدن جميعا وهو غير مسلم ، وأما لو كان استكمالا للروح فقط ، فالإشكال على حاله ، لأن إعادة البدن حينئذ من إعادة المعدوم.

قيل : شخصية الانسان بنفسه ، دون بدنه المتغير دائما ، فالإنسان العائد في المعاد بالنفس والبدن عين الانسان الذي كان في الدنيا ، سواء كان الموت استكمالا للروح فقط ، وكان البدن العائد معها بايجاد جديد ، أو كان الموت استكمالا للروح والبدن ، وكان البدن العائد مع الروح هو البدن الدنيوي المستكمل ، فالإنسان بنفسه وبدنه هو الذي كان في الدنيا بعينه *. ـ منه (رحمه الله) ـ.

المرحلة الثانية

في انقسام الوجود إلى خارجي وذهني

وفيها فصل واحد

الفصل الأول

في الوجود الخارجي والوجود الذهني

المشهور بين الحكماء أن للماهيات ، وراء الوجود الخارجي ، وهو الوجود الذي ، يترتب عليها فيه الآثار (١) المطلوبة منها ، وجودا آخر لا يترتب عليها فيه الآثار ، ويسمى وجودا ذهنيا ، فالإنسان الموجود في الخارج قائم لا في موضوع ، بما أنه جوهر ، ويصح أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة بما أنه جسم ، وبما أنه نبات وحيوان وإنسان ، ذو نفس نباتية وحيوانية وناطقة ، ويظهر معه آثار هذه الأجناس والفصول وخواصها ، والإنسان الموجود في الذهن المعلوم لنا إنسان ذاتا ، واجد لحده ، غير أنه لا يترتب عليه شيء من تلك الآثار الخارجية.

وذهب بعضهم إلى أن المعلوم لنا ، المسمى بالموجود الذهني شبح الماهية لا نفسها ، والمراد به عرض وكيف قائم بالنفس ، يباين المعلوم الخارجي في ذاته ، ويشابهه ويحكيه في بعض خصوصياته ، كصورة الفرس المنقوشة على الجدار ، الحاكية للفرس الخارجي ، وهذا في الحقيقة سفسطة ، (٢)

__________________

(١) المراد بالأثر في هذا المقام هو كمال الشئ ، سواء كان كمالا أولا تتم به حقيقة الشئ كالحيوانية والنطق في الانسان ، أو كمالا ثانيا مترتبا على الشئ بعد تمام ذاته ، كالتعجب والضحك للانسان. ـ منه (رحمه الله) ـ.

(٢) لمغايرة الصور الحاصلة عند الانسان لما في الخارج مغايرة مطلقة ، فلا علم بشئ مطلقا وهو السفسطة. ـ منه (رحمه الله) ـ.