وفي قبالها علوم إلهية أفاضها الله تعالى إلى أنبيائه وأوليائه ، وهذه العلوم الإلهية لا تحتاج إلى الاكتساب وترتيب المقدمات للوصول إلى المجهولات النظرية ، بل نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده ومعه يرى حقيقة كلّ شيء ولا تحجب عنه ، ولا يحتاج انتقاله من نبيّ إلى نبيّ ، أو من وليّ إلى وليّ إلى مئونة ، بل ينتقل إليه بالاشراق وتنوير الباطن في لحظة ، ولذا صار بعض الأنبياء أو الأئمة ـ عليهم الصلوات والسّلام ـ نبيا وإماما في حال الصباوة من دون حاجة إلى مضي زمان.
ثم إنّ العلوم الإلهيّة لا اختلاف فيها ، بل كلّها واضحة ، ولا يكون فيها أجلى وأوضح ، ولذا لم يسمع من نبيّ ما تعارف بيننا من الأوضح والأظهر ، أو الظاهر فضلا عن لا أدري ولا أعلم ، والعلوم الإلهية كلّها حاضرة عندهم ، ولذا لم يقل أحد منهم في مقام الجواب عن مسألة ، المسألة تحتاج إلى المراجعة أو التأمل ، أو نحو ذلك ، بل كانوا داعين للناس إلى الأسئلة ، وأجابوا عنها من دون إحالة إلى المطالعة أو التأجيل.
ولا يعتري على العلوم الإلهية ما يحتاج معه إلى تجديد النظر ، بل هي على ما هي عليها من القوّة والظهور ، نعم تصير أجلى بمرور الأزمنة والدهور للسامعين.
ولا ينافي ذلك النسخ في الشرائع أو شريعتنا ، لأنّ معنى النسخ ليس إلّا ارتفاع أمد الحكم النافع ، بحيث لا اعتبار به بعد ارتفاع أمده وليس فيه ما يكشف عن عدم صحة الحكم في وقته وزمانه ، بل كلّ منسوخ حكم صحيح متين في زمانه ، ولذا يصدّق كلّ نبيّ ما نزل على النبيّ الآخر ولا يكذّبه.
ومما ذكر يظهر أن العلوم الإلهية حيث لا تحتاج إلى ترتيب المقدمات ، لا يكون فيها الاختلاف ، ولذا لا يكون الأنبياء والأئمة ـ عليهم الصلوات والسلام ـ مختلفين في أمر من الامور ، بل كلّهم مخبرون عن الحقائق الواحدة ، وإن كانت كلماتهم للناس بحسب اختلاف استعدادهم وتفاوت ظروفهم مختلفة.