وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» (١) ، وغير ذلك من الآيات.
ثم إنّ هذا الدليل لا يثبت إلّا المعاد للمكلّفين والعاملين ، فإنّ محدودة كلّ برهان تابع لحدّ وسطه ، والحدّ الوسط في هذا البرهان ، هو العدل ، وهو لا يكون إلّا في موارد استحقاق الجزاء بالطاعة أو المخالفة ، وهما من أفعال المكلفين ، فتسوية المطيع مع المسيء ، تنافي العدالة ، أو في موارد ظلم بعض العباد على بعض آخر ، فإنّ مقتضى العدل هو استيفاء حقّ المظلوم من الظالم ، فكلّ موارد العدل من موارد التكليف ، وعليه فلا يشمل هذا الدليل معاد غير المكلّفين.
٣ ـ دليل الوعد :
هذا الدليل مركب من الدليل الشرعي والعقلي إذ الجزء الأوّل منه شرعي وهو الآيات الدالّة على الوعد بالثواب والعقاب ، وبالجنّة والنار ، منها : قوله تعالى : ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ (٢) ، ولمّا كان الوعد بهما مكرّرا وشايعا صار عنوان اليوم الموعود من عناوين يوم القيامة كما صرّح به في قوله تعالى : ﴿وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ﴾ (٣).
والجزء الثاني منه عقلي وهو أنّ الله تعالى لا يخلف الوعد ؛ لأنّ الخلف ناش عن النقص ، وهو تعالى لا نقص فيه ، أو ناش عن الاضطرار والضرورة ، وهو أيضا لا مورد له في حقّه ؛ لأنّه سبحانه لا يضطره ضرورة ، ولذا قال العلّامة الطباطبائي ـ قدسسره : «وخلف الوعد وإن لم يكن قبيحا بالذات لأنّه ربّما
__________________
(١) الجاثية : ٢١.
(٢) يونس : ٤.
(٣) البروج : ٢.